القول المأثور فى قداسة الله و أسباب الشرور

يمر العالم بكثير من الضيقات و الشدائد و الكوارث ،و بعضها يكون من القسوة و الألم حتى إنه يوصف بأنه ضد الانسانية فالعالم ملئ فى كل انحائه بالجوع و المجاعات و العوز و الحروب و الاضطهادات و الامراض و الأسقام ، انه ملئ بالظلم و الكراهية و كل شئ شرير ......

هناك الشر الطبيعى الذى يسمح به الله ، و يكون بهدف تربوى تهذيبى للإنسان ، و أما بالنسبة للشر الانسانى ، فإن الله على الدوام يكرهه، و لكن يسمح به إحتراما للحرية الانسانية. الله يعرف مسبقا هذا الشر دون أن يريده ، على إن إرادة الله السامية تتحقق حتى من خلال هذه الأعمال الشريرة التى يقترفها الانسان.

إن الحرية البشرية ، مهما اتخذت موقفا معارضا لإرادة الله و فى خدمة أغراضها الخاصة ، فإنها تخدم بطريقة لا شعورية إرادة الله . و لا ينتهى هذا بنا الى إنكار العمل الإنسانى بل الى تأكيد أن الانسان ، فى حرية ، يضع قواه الخاصة لتحقيق إرادة الله ، و هو يفعل ذلك إما إراديا او لا إراديا (2)

يقول الرب فى سفر إشعياء "رأيي سوف يقوم و سأفعل كل مسرتى" ( إش 46 :10 ) على إنه لا يجب ان يفهم من هذا إبطال العمل الإنسانى بل على العكس فإن الله ينفذ إرادته من خلال إستخدام العوامل البشرية ،حتى إنه إستخدم خيانة يهوذا الإسخريوطى ومؤامرته على السيد المسيح للبرهنة على إن حتى علم الله السابق لهذا الشر قد قًبِلًهُ و لم يغيره بل إستخدمه لخطته الخلاصية ،كما يقول سفر أعمال الرسل " أَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ، الَّذِي مَسَحْتَهُ، هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ، لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ  " ( أع 4 : 27، 28 )

 

الله هو صانع الخيرات:

يقول الوحى الإلهى فى سفر يشوع بن سيراخ :"أَنَّ الْخَاطِئَ لَمْ يُرْسِلْهُ الرَّبُّ. إِنَّمَا يَنْطِقُ بِالْحَمْدِ ذُو الْحِكْمَةِ، وَالرَّبُّ يُنْجِحُهُ. لاَ تَقُلْ: «إِنَّمَا ابْتِعَادِي عَنْهَا مِنَ الرَّبِّ»، بَلِ امْتَنِعْ عَنْ عَمَلِ مَا يُبْغِضُهُ. لاَ تَقُلْ: «هُوَ أَضَلَّنِي»، فَإِنَّهُ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي الرَّجُلِ الْخَاطِئِ. كُلُّ رِجْسٍ مُبْغَضٌ عِنْدَ الرَّبِّ، وَلَيْسَ بِمَحْبُوبٍ عِنْدَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. هُوَ صَنَعَ الإِنْسَانَ فِي الْبَدْءِ، وَتَرَكَهُ فِي يَدِ اخْتِيَارِهِ، وَأَضَافَ إِلَى ذلِكَ وَصَايَاهُ وَأَوَامِرَهُ. فَإِنْ شِئْتَ، حَفِظْتَ الْوَصَايَا وَوَفَّيْتَ مَرْضَاتَهُ. وَعَرَضَ لَكَ النَّارَ وَالْمَاءَ؛ فَتَمُدُّ يَدَكَ إِلَى مَا شِئْتَ. الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ أَمَامَ الإِنْسَانِ؛ فَمَا أَعْجَبَهُ يُعْطَى لَهُ. إِنَّ حِكْمَةَ الرَّبِّ عَظِيمَةٌ. هُوَ شَدِيدُ الْقُدْرَةِ، وَيَرَى كُلَّ شَيْءٍ، وَعَيْنَاهُ إِلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ، وَيَعْلَمُ كُلَّ أَعْمَالِ الإِنْسَانِ. لَمْ يُوصِ أَحَداً أَنْ يُنَافِقَ، وَلاَ أَذِنَ لأَحَدٍ أَنْ يَخْطَأَ"( يشوع بن سيراخ 15 : 10-21 )

تعلمنا الأجبية أن نقول فى كل صلاة فلنشكر الله صانع الخيرات.

و يقول القديس باسيليوس الكبير :لا خير إلا واحد و هو الله ، الذى وحده ايضا يجلب للانسان السعادة و يعطيه السلام و الإستقرار و الإطمئنان ، كما إن الله يجد مسرته فى أن يشاركه كل واحد فى الحياة"

" أننى اعترف بأنى حينما افكر فى جميع خيرات الله أجزع و تأخذنى الرعدة خوفا من إنه بسبب غفلتى او انشغالى بأشياء لا قيمة لها ، اسقط من علو الله و أأصير سبب عار للمسيح " (3)(القديس باسيليوس الكبير)

لولا عدالة الله تقيد من قوة الشيطان و تحد من سلطانه ، فإنه سيكون من الممكن للشياطين أن تجرب البشر و أن تعرضهم لخطر الخطيئة بما لا يمكن ان يقاس و بما لا يمكن ان يقاومه البشر . و لكن عدالة الله جعلت ان لا يجرب البشر فوق ما يحتملون ، و قيد سلطان الشيطان فى علاقته بالبشر بحيث يتحرك الشر داخل حدود مضبوطة محصورة من قبل الله" (4)

ماهية " الشر" وما هى علته و هل له طبيعة ؟

القديس اثناسيوس الرسولى فى الرسالة الى الوثنيين :"الشر لم يكن من البدء مع الله او فى الله ، كما انه ليس له وجود جوهرى"

إن الشر موجود نتيجة فساد ما هو جيد . هو حرمان ما هو موجود و ليس له جوهر بحد ذاته. (5)

يقول نورمان جايزلر( فى كتابه من صنع الله ص 37) : الشر ليس له كينونه فعلية لكنه فساد حقيقى لكينونة فعلية كالأشجار المتعفنة و الأسنان المسوسة و الحديد الصدأ هذه كلها أمثلة على ان الشرهو فساد لما هو صالح.

علة الشر هى إرادة الانسان الخاطئة و المنحرفة مع ملاحظة إنه يحدث بسماح من الله أى ليس خارجا عن سلطان الله ، و الله لا يترك للشرير حرية كاملة و لكن يسمح له الى حد معين، فالشيطان عندما طلب ان يضرب أيوب ، سمح له الله بحدود معينة. (6) فالله نور لا يعرف الظلمة و قدوس لا يعرف خطية و لم يخلق الشر (7)

ففى صلاة الصلح نصلى :" يا الله العظيم الأبدى الذى جبل الانسان على غير فساد"

و فى رسالة يعقوب الرسول :"  لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. " ( يع1 : 13 )

 إن الشر ليس له جوهر، فيقول القديس باسيليوس الكبير :عليك اذا ان تتوقف عن الشعور بالإحباط تجاه خطة الله لك و عليك ان تبتعد عن اعتبار الله مسبب للشر . كذلك لا تظن ان الشر له وجود خاص به ،لأن الشر ليس شيئا موجودا ، فالشر ليس له جوهر، وهو غياب الصلاح ،كما ان العمى يحدث نتيجة تلف يصيب العين هكذا الشر،فلا السئ يأتى من الصلاح و لا الشر من الفضيلة لأنه فى بدء التكوين ستجد ان الكل صار حسنا و بل حسنا جدا ( تك 1 : 31 ) إذاً الشر لم يُخْلَق مع الصلاح و لم تكن الارواح المخلوقة ممتزجة بالشرور عندما خلقها الله و اتى بها للوجود، لأنه إذا كانت الاجساد المادية لم تكن لها طبيعة شريرة بداخلهم فكم بالأولى الأرواح التى تتميز جدا بالنقاوة والقداسة لم تكن لها وجود مشترك مع الشر،لكننا نرى الشر موجود و فعله ظاهر ومنتشر فى كل العالم (8)

لقد خلق الله النفس و لم يخلق الخطية . انما النفس يمكن ان تقبل الشر لأنها ابتعدت عن حالتها الطبيعية كما أن نفس الانسان لها حرية تتناسب مع الكائنات العاقلة ،أن نفس الإنسان متحررة من اي قيد و قد منحها الله أن تحيا بحرية إذ خلقت بحسب صورة الله (9)

أنواع الشرور

هناك نوعان من الشرور الشر الأخلاقى (الأدبى) و الشر الصادر من قوى الطبيعة ( الشر الطبيعى)

الشر الأخلاقى أو الأدبى:  

هذا يعنى الشر الذى يفعله الانسان بأخيه الانسان ،و هو يرجع الى حرية إرادة الانسان و إرادة الانسان إما ان تتجه للخير او للشر ، و هو نتاج إستعمال قوى الخير فى الانسان بطريقة خاطئة ينتج عنها إنحراف عن تحقيق الهدف و الغاية، فقد أعطى الله الحرية للانسان و جعل مقابل هذه الحرية مسئولية و أمام هذه المسئولية جزاء و حساب، ثواب و عقاب ،فاذا استخدمنا السكين لتقطيع الطعام فلا يكون هناك شر بل هى لصالح الانسان ونفعه إما إذا استخدمت لإيذاء الناس فقد صارت ألة للشر .

وانه لا يوجد تعارض بين وجود الشر ووجود إله صالح، عادل، خير، قادر علي كل شيئ ، فلا يجب ان نُحَمل الله ما نقترف من شرور ،أو أن نحاسبه على حبه لنا وكونه قد منحنا حريتنا الشخصية ،فالشر الأخلاقى هو نتيجة لإساءة الانسان للحرية التى و هبها الله له (10)

الشر الطبيعى:

وهو ما نعتقده شرا بسبب الآثار التى تنجم عن بعض الظواهر الطبيعية مثل الزلازل و البراكين و الأعاصير والمجاعات وغيرها و التى قد تسبب ضحايا بأعداد كبيرة.

و ردا على حدوث الشر الطبيعى من القوى الطبيعة نقول :

  • بعض الشرور التى نظنها شرورا طبيعية هى فى الواقع أخلاقية فهى تعود لحرية إرادة الإنسان كالمجاعات فالموارد الغذائية على كوكب الأرض تكفى كل البشر و الساكنين عليها و لكن هذا الامر لا يهم بعض البشر فتجدهم يلقون بأطنان القمح فى المياة لكى يحافظوا على سعره فى الاسواق العالمية بينما يهلك ملايين من البشر جوعى
  • الكون فى طبيعته غير كامل لأنه ليس هو الله و عدم كمال الكون لا يعنى بأنه لا يوجد له إله، فإسحق نيوتن يقول " إن الإيمان بالله قائم على الإيمان بالعناية التى تحيط بالخلق فى كل حين ، فوجود النقص فى العالم لا ينفى وجود الصانع الحكيم ... بل هو إثبات لوجود الصانع الحكيم ، فوجود هذا الاله المبدع يقتضى أن يكون العالم مخلوقا لا يبلغ الكمال كله ، و يفتقر إلى موجده على الدوام.

 هذه الظواهر هى شر للقليلين و لكنها خير للكثيرين

فالزلازل و البراكين تخفف من ضغط الكرة الأرضية وتقودها الى الإستقرار مثل الامطار فهى خير للبعض و شر للبعض الآخر،و هو لازم لإستمرار دورة المياه فى الطبيعة. يذكر الدكتور نبيل فرحات (11) عن فوائد البراكين (إنها ثقوب التهوية و الخير لانها تحمى الأرض من الإنفجار و هى مفيدة للقشرة الأرضية حيث تمنحها المعادن و الغازات فتزيد خصوبتها فيما بعد، كما انها تكون بعض الجزر كجزيرة هاواى و جزر الأوز التسع ، وبسببها نشأت معظم جزر الفلبين، حتى رماد البراكين يمنح الأراضى الخصوبة لآلآف الكيلومترات ، كما لجأت بعض الدول المتقدمة لتوليد الطاقة الكهربائية و التدفئة من الأبخرة المتصاعدة من فوهات البراكين) . (12)

جدير بالذكر إن الشر الطبيعى مرنبط بالشر الاخلاقى كنتيجة للخطية التى بسببها لعنت الأرض أيضا (13)

هل الله مسبب الشرور؟

إننا حقا خليقة الله الصالح و إننا محفوظين بواسطته، فهو الذى يدبر الأمورالصغيرة و الكبيرة فى حياتنا فلا شئ مما نعانى يعتبر ضارا لنا لأننا عندما نتأمل فيما يصيبنا من شر، نقترب اكثر من الله خالقنا. فمثلاعندما يأخذ الله المال من الذين يستخدمونه بطريقة سيئة فإنه يريد أن يدمر بهذه الطريقة الأداة التى يظلمون بها الناس(14) أى إن الله يحول الشر الى خير .

و أحيانا يسمح الله بمرض للذين يكون فى صالحهم أن تتقيد أعضائهم و يلازمون فراش المرض أفضل من ان يكونوا معافين و احرار فى إرتكاب الخطية، لأنهم إستخدموا الصحة التى منحها الله لهم فى غير موضعها و فى إعوجاج حتى انه إذا سمح الله بأن يمرضوا تكون بمثابة فرصة للتوبة و الرجوع اليه .

هناك من الشرور( ما يسمى بالشر الادبى ) و هو ما يتوقف علينا نحن البشر،مثل الظلم و الخلاعة و الإنحلال الأخلاقى و الحسد و القتل و الدسائس و كل ما يترتب عليها من أفعال تلوث النفس التى خلقت بحسب صورة الله خالقنا (15)

علينا أن نغير مفهومنا بشأن النكبات والكوارث "لأن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله " و الأمثلة من الكتاب المقدس جلية و كثيرة و منها على سبيل المثال:

  • الظلم الذى وقع على يوسف من إخوته، و كيف صار الرجل الثانى على كل أرض مصر بعد فرعون.
  • قتل القابلات لأطفال المصريين، مما جعل موسى يربى فى بيت فرعون و يتثقف بكل أدب و حكمة المصريين. نوح و الطوفان الذى بسببه تجددت الخليقة.
  • عصيان آدم و طرده حيث استخدمه الله و حوله خلاصا"حولت العقوبة لى خلاصا ".
  • الثلاثة فتية فى أتون النار و كيف ترائى الله لهم، و نظره الناس كابن الالهه و لم تمسهم النار بسوء.
  • شاول الطرسوسى مضطهد الكنيسة وهو الذى شاهد رجم إسطفانوس و كيف أصبح بولس الرسول الذى نال اكليل الشهادة على إسم السيد المسيح .
  • كيف سمح الله بسجن بولس و برنابا ليجعل حارس السجن و أهل بيته يؤمنون.
  • سمح لجليات أن يعير شعب الله ليظهر قوة داوود وعلاقته القوية بالله.
  • كما سمح بظهور البدع ليعرفنا صحيح الإيمان ويثبت العقائد القويمة، مثل البدعة الاريوسية بتعاليمها الفاسدة و التي وجدت من يضحدها بصميم الإيمان القويم مثل أثناسيوس الرسولى، والنسطورية ضحدها كيرلس الكبير و على مر العصور كل مضطهدى المسيحية من وثنية اوشيوعية او غيرها فنوا و تلاشوا وبقيت الكــــنيسة فى وعد السيد المسيح رب المجد "إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها"

علينا أن نميز بين ما نصنعه بأنفسنا و كان بإمكاننا عدم فعله و بين الأمور التي تبدو بسماح من الله و التى نقرأ فيها رسالة الله لنا  (16)

وعلينا أن ندرك عمل النعمة فى أبناء المسيح الذين يسلكون بحسب الروح و لا يكملون شهوة الجسد، من خلال النعمة المغيرة ، التجديد ، الميلاد الثانى ، ففى المسيحية يمتلك الإنسان القدرة على فعل الخير و الصلاح و رفض كل ما هو شر و غير إنسانى (17)

نحن نصف الطبيب بأنه محسن و كريم حتى و لو تسبب فى إيلام الجسد أو النفس ( لانه يحارب المرض و ليس المريض ) و نقول انه صنع خيرا حتى و إن قام ببتر عضوا تالفا من المريض (18) كذلك الله القدوس يكره الشر و لكنه يحب حتى الأشرار و إن كان يبغض شرهم و يتأنى عليهم حتى يتوبوا.

فالله يحول النتائج الى فائدة الإنسان و قد يتسائل أحد: هل الكوارث و الزلازل الطبيعية من نتائج فعل الانسان ؟ نقول نعم لأن الكتاب يعلمنا بأنه بسقوط الانسان و تنصله عن دوره الإعتنائى بالكون تسبب فى إصابة الخليقة بتشوهات كثيرة فهى تئن و تتمخض الى الان جراء أفعال الإنسان مثل إهدار الموارد الطبيعية لفائدته دون مراعاة البيئة المحيطة (19)، فالتفجيرات النووية التى تحدث فى باطن الأرض ، التلوث البيئى المستمر بفعل الإنسان ، كل هذا يجلب كوارث و يخترق النظام و التوازن الطبيعى . إلا أن نعمة الله تسند الكون و تحول النتائج الوخيمة إلى فائدة الإنسان

علينا ان نعرف أن الله يسلمنا الى الضيقات و التجارب بحسب قياس و درجة إيمان كل واحد منا، فغير المؤمنين عندما يواجهون صعوبة فى الحياة يبدأوا يشكوا بعقولهم فيما اذا كان الله موجودا و يعتنى بكل الامور، ومجازاته لكل واحد بحسب أعماله، حتى إنهم عندما يرون أنفسهم مستمرين تحت وطأة نفس الظروف المؤلمة يقنعون أنفسهم بإنه لا يوجد إله (ً20) "قال الجاهل فى قلبه ليس إله" ( مز 14 : 1 )، إن الذى يقول ليس إله هو الذى لا يملك عقلا و لا حكمة كذلك من يقول ان الله مسبب للشرور يكون مثله، و إنى( القديس باسيليوس) أعتقد أن خطية  الاثنان واحدة (ً21)

لماذا يسمح الله بالشرور والتجارب؟

يسمح الله للبشر أن يُجَّرَبوا للأسباب التالية:

  • من أجل تزكيتهم كما نقرأ عن أبونا إبراهيم ،ويوسف الصديق،وأليعازر و كثير من القديسين مثل مارجرجس و مارمينا و غيرهم ، يقول القديس يعقوب :" طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ " ( يع 1 : 12 )
  • وأحيانا لأجل إصلاحهم مثلما حدث مع أيوب ،وكما حدث شعب الله ايام موسى و فرعون ،هكذا تعلمنا كيف إن عدل الله ينزل نوعا آخر من العقوبات المخيفة لكى يجعل أولئك الذين ينزلقون بسهولة فى فعل الخطية أكثر تهذيبا (22)
  • و فى بعض الحالات بسبب خطاياهم كعقاب من أجل الخطية مثلما جاء فى ( يو 5 : 14 )" وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ "
  • و أحيانا من أجل إظهار مجد الله و أعماله كما جاء فى إنجيل يوحنا (يو 9 : 3 ) " أَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ " و فى (يو 11 : 4 ) " فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ  "
  • و هناك نقمات اخرى لمن تجاوزوا حدود الشر و بالغوا فيه مثل داثان و أبيرام و قورح الذين عوقبوا و عنهم يقول الرسول بولس" الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ .لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ، لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ،وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ ،كَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ.مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا،نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ للهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ،بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ.الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ " (رو 1 : 26 - 32)

حتى الكوارث الطبيعية تحدث لفائدة الانسان :

الأمراض التى تصيب المدن و البلدان و الرياح الجافة و الأرض الجرداء العقيمة التى لا تثمر و أيضا الظروف الاكثر قسوة فى حياة كل أحد توقف زيادة و نمو الشر،و تحدث لكى يبتعد الإنسان عن فعل الخطية . إذاً الله يبعد الشر كما ان الشر لا يأتى من الله لأن الطبيب يشفى المرض لكنه لا يتسبب فى المرض نفسه هكذا دمار المدن و الزلازل و الفيضانات و كل أشكال الدمار التى تصيب الانسان، و تأتى من الأرض ،او البح،ر او الهواء، او النار، تحدث لأن الله يريد بهذه الضربات الجهارية تهذيب البشر (23 )

وعلى سبيل المثال إن إنهيار مدينة بسبب زلزال او سفينة تنكسر و تغرق فى البحر، هي نتيجة طبيعية لإهمال عوامل الأمان فى السفينة، أليس التراخى و الإهمال و التواكل ،هى خطايا من فعل الإنسان (24) و على الإنسان أن يتحمل مسئولية أفعاله و مسئولية حرية إرادته التى منحها له الله.

 يوضح لنا قداسة البابا شنودة الثالث:

إن التجارب و الضيقات تعطى صقلاً للشخصية و تمنحه صلابة و قوة، فالضيقات التى تعرض لها داوود النبي من شاول الملك بالإضافة إلى باقى تجاربه مع يوآب بن صرويه ، و شمعى بن جيرا ،ومع إبنه إبشالوم كانت لنفعه روحيا.

حتى أن الشعور بالألم له منافعه حيث إن الأمراض الخطيرة هى التى تنتشر فى الجسم دون الشعور بالالم، و لا يكتشفها الإنسان إلا بعد أن تصل إلى درجة يصعب فيها العلاج مثل بعض السرطانات، لذلك كانت حكمة من الله أن يوجد الألم الذى يساعد على إكتشاف المرض و علاجه ، نضم الى هذا النوع أمراض الأطفال الذين لا يعرفون طريقة التعبير عن مرضهم و لكن إحساسهم بالألم فى مواضع معينه يكشف المرض  و يسهل تشخيصة وعلاجه.

الألم أيضا مفيد فى قيادة الإنسان إلى التوبة، فساعة واحدة من الألم المتعب ،قد ترجع الإنسان الى الله ،أكثر من عشرات العظات فيها يشعر إنه قريب من الأبدية فيستعد لها .

كما إن الالم يوجد مشاعر الحنو و التعاطف حيث يشفق الناس على المتألمين ، و يساهمون فى العمل على تخفيف الآمهم و هكذا تتعمق العلاقات الإجتماعية و البعض قد يتطوعون و يتبرعون ببعض دمائهم أو بنقل بعض أعضائهم الى المحتاجين إليها (25)

و ما أجمل قول أمير الشعراء أحمد شوقى : (  و متعت بالألم العبقرى                        و أنبغ ما فى الحياة الألم  )

عمل العناية الإلهية:

العناية الإلهية هى أن يكون الله مع الإنسان، والعناية الإلهية لا تعنى الإنقاذ من المخاطر دائما ، فهناك من كانوا فى عناية الله و لكنهم تعذبوا و استشهدوا و أغلب الأنبياء و الرسل تجرعوا الآما كثيرة ، فكيف لنا أن نفهم إن العناية تعنى الإنقاذ الدائم؟. الإنقاذ هو أحد اشكال العناية فى حياتنا الأرضية و لكن هناك أيضا حياة أخرى أبدية قد تسقط من حساباتنا و لكنها دائما فى فكر إلهنا الصالح تحكمها حكمته البعيدة عن الفحص.

عجيبة يد الله فى الأحداث . نرى لها مثلا فى حياة يوسف الصديق .و كيف أوصله إلى عمق السلطة فى مصر . و كيف دخلت الاحداث كلها فى مجال مشيئة الله . خيانة الاخوة و قسوتهم ، و فساد زوجة فوطيفار و إتهامها الباطل ، و زملاء السجن و كشف أفكارهم له، و تفسيره لأحلامهم و أحلام فرعون ، و سنوات الشبع و سنوات الجوع ،كل ذلك دبره الله بحكمه عجيبة حولت كل الشر إلى خير و كل الضرر إلى نفع.

و كذلك نرى و فى قصة حياة الأنبا أنطونيوس كيف تأثر بموت أبيه و ما سمعه فى الكنيسة من قرأة و ما سمعه من نقد أو نصيحة لتلك المرأة عديمة الخجل، و كيف حول الله هذه الامور لنفع الأنبا أنطونيوس حتى صار مؤسسا للرهبنة و أبا لرهبان العالم أجمع (26)

إن الإيمان بوجود الأرواح الشريرة، لا يتعارض مع القول بالسلطة المطلقة لله و حضور الله فى كل مكان، لأنه حسب الفكرة الصحيحة عن الله و عن العالم الروحى، فإن الله لا يكف عن أن يكون له السلطان المطلق على العالم كله، و على إبليس أيضا.و بموجب هذا السلطان المطلق فإن الله لا يسمح للشيطان بالتحرك غير المقيد ،و لكنه يحدد له الحدود التى يتحرك فيها، و يمارس تأثيره من خلالها، فضلا عن أن الله فى قدرته المطلقة، يستخدم الشر فى خدمة خطته الخلاصية " (27)

الله يقدس حرية إرادتنا و يدعونا لنؤمن به:

لقد أعطانا الله حق الإختيار فى كل شيئ ،حتى فى قبولنا اياه او مقاومتنا له شخصيا ، إنه لا يريد أن يكون الإنسان آله ،يحركها الله لتحقيق إرادته، إنما يريد منه كائنا عاقلا، قادرا على أخذ قرارات من وحى أعماقه.

قد يسيئ البعض الحرية فيسلكون فى الشر، و يستخدمون العنف مع الغير، و يتركهم الله أحرارا يفعلون ما يريدون، لكنه فى عدله يجازى كل واحد حسب أعماله فى حينه. إنه يترك الشرير فى شره لعله يتوب و يرجع، فيكافأ، أما إن تمادى فى الشر فإنه حتما يشرب من ذات الكأس التى ملأها. أما المظلوم فيحتضنه الله ليحول الظلم لخيره إلا إن كان قد سقط تحت الظلم كثمرة لإصراره على شر خفى. (28)

يقول الدكتور موريس تاوضروس(29) :"هناك صعوبات ترتبط بالشر و يصعب حلها إلا بالإيمان ،كما أن هناك أسرار كثيرة مرتبطة بحياة الانسان يصعب على المرء ان يدركها، إلا أذا استنار العقل بالايمان ، و الذى يدرك محدودية العقل البشرى و ضعف امكانياته، تجعله يقول مع بولس الرسول فى رسالته الى أهل رومية قائلا :"يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ،لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟" (رو 11 : 33 – 34 ) و إذا كانت طرق العناية الإلهية على مستوى الإدراك البشرى ،فإنها عند ذلك تفقد خاصيتها فوق الطبيعية.(30)

و يقول الفيلسوف انتونى فلو( ملحد سابق ) : إن معضلة الشر و الألم التى كانت وراء إتجاهى إلى الإلحاد، تعتبر مشكلة لها وزنها عند الفلاسفة ، لكننى أيقنت إن عدم فهم هذه المشكلة ،لا ينبغى أن يلغى القناعة بوجود الإله، و بعد أن أثبتت البراهين الفلسفية و العقلية و العملية ذلك الوجود . و قد أدركت بعضا من الحكمة بخصوص هذه القضية ، عندما أيقنت بتمتع الانسان بحرية الإختيار التى تميزه عن الحيوان و النبات و الجماد. و إن ما يواجهه الفرد من إبتلائات تؤدى به الى ترق روحى و قيمى نستشعره عند مواجهة المحن. (31)

الله الذى منح الإنسان سلطة و سيادة تشبه سلطة و سيادة الملائكة ، هذه السيادة جعلته يشترك فى حضور رؤساء الملائكة وأن يكون جديرا بأن يسمع صوت الله ، و بينما كان فى حماية الله متمتعا بخيراته ، شعر بشبع زائف من هذه الخيرات السمائية و فَضَلَ ما يبهج عينيه الجسدية عن ذلك الجمال الروحى، و بدلا من أن يستمتع بالأمور الروحية فضل أن يملأ بطنه ، و للتو وجد نفسه خارج الفردوس ، خارج تلك البيئة الطوباوية التى كانت محيطة به. و صار شريرا ليس عن إجبار و لكن عن عدم إستنارة . إذاً فهو الذى وقع فى الخطية عن طريق إختياره السيئ ، و مات بسبب الخطية و" أَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" ( رو 6 : 23 ) أي إن كل من يبتعد عن الحياة يقترب من الموت ، لأن الله هو الحياة و غياب الحياة هو موت "أَنَّهُ هُوَذَا الْبُعَدَاءُ عَنْكَ يَبِيدُونَ" ( مز 73 : 27 ) هكذا ليس الله هو الذى خلق الموت، لكن نحن الذين جلبناه على أنفسنا بالإرادة الشريرة "قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ،" ( تث  30 : 19 ) إختلاف موازيننا عن موازين الله ، و مقايسنا عن مقايس الله و نظرتنا عن نظرته، فالإنسان ككائن محدود فى إمكاناته و فى عمره ، ممتص بالكامل فى الحياة الزمنية ،و حدها كواقع يعيشه و لا يتعداه فيطلب أن يقتنص كل لذة وقتية وسعادة زمنية قائلا "فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ" أما الله  غير المحدود فنظرته إلى الإنسان أعظم من أن يكون مجرد كائن بين ملايين المخلوقات الأرضية، يعيش إلى حين و ليموت و يفنى ، و إنما هو ابن الله يريد أن يرفعه إلى سمواته ليحيا معه فوق الزمان فى الحياة الأبدية. (32)

لماذا يتأخرالله فى معاقبة الاشرار؟

الحقيقة إن الله لا يتأخر لأن بعض الناس ما زالوا يبحثون عن الحق و الأدلة حتى يجدونه، فالله يتمهلهم فقط بسبب محبته لهم (1 تي 2: 4) "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ." و الأمثلة كثيرة منها شاول الطرسوسى من مضطهد للكنيسة، الى بولس الرسول شهيدا على أسم السيدالمسيح ، و من المؤكد إن الله يتواصل بشكل مستمر مع الأشرار حتى يتوبواعن شرهم ويرجعوا إليه.

وأيضا مثال يوسف البار الذى ظلمه اخوته ،و باعوه عبدا فصارا سيدا على إخوته و كل أرض مصر .( مثال يدل على تحويل الله ما ظاهره شر الى خير )

فرعون تدرج الله معه بعقوبات صغيرة محاولا دائما أن يلين تصرفه غير المطيع، و لكنه ازداد فى إحتقار طول أناة الله و إعتاد على المتاعب التى كانت تحل عليه .إذاً الله لم يسلمه للموت، فقد أغرق فرعون نفسه بعدما تكبر قلبه و تشامخ، إذ تجرأ فى مقاومة شعب الله، و ظن إنه يستطيع أن يعبر البحر الأحمر مثلما عبر هذا الشعب. (33)

الله وهب الإنسان حرية الإرادة و الإختيار فألله لا اللالإنسان بإمكانه أن يكون إناء ذهب أى طاهر القلب و نقي فى طرقه أو إناء فضة أي أقل قيمة من الأول، وإناء خزف أى إن له تصرفات أرضية و معرض للكسر، أو أن يكون إناء من الخشب يتلوث بسهولة من فعل الخطية ،و جدير أن يلقى فى النار الأبدية "وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ"  ( 2 تي 2 : 20 )(34)

آيات قد تفهم على ان الله مسبب الشر و تفسيرها.

إعتاد الكتاب المقدس ان يستخدم بعض التعبيرات فى غير معناها الاصلى ، فيستخدم كلمة الشرور تعبيرا عن الأحزان و الضيقات ليس لانها شرا او طبيعتها شريرة ، بل لان من تحل بهم هذه الامور لاجل صالحهم يعتبرونها شرا ، فحينما يتكلم الوحى الالهى مع البشر يستخدم لغتهم و مشاعرهم البشرية فالتأديب يعتبر مرا بالنسبة للمؤدبين " لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ،وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ. إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَيُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ "(عب12: 6،7 )(35)

الآية الأولى :"أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ".(إش 45 :5 – 7 ) (36)

التفسير  :عُرفت الديانات الفارسية بالغنوسية التي ركزت على "ثنائية الله"، بمعنى وجود إله للخيروإله للشر، لهذا أراد الله أن ينتزع هذا الفكر من كورش مؤسس المملكة الفارسية ،كما جاءت كلمة الشربالعبرية "  ra רע" لا بمعنى الخطية، وإنما ثمر الخطية ،أو عقوبتها، من حزن وضيق. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: يوجد شر هو بالحقيقة شر:الزنا، الدعارة، الطمع، وأشياء أخرى مخفية بلا عدد تستحق التوبيخ الشديد والعقوبة. كما يوجد أيضًا شر هو في الحقيقة ليس شرًا، إنما يدعى كذلك مثل المجاعة، الكارثة، الموت، المرض وما أشبه ذلك؛ فإن هذه ليست شرورًا وإنما تدعى هكذا. لماذا؟ لأنها لو كانت شرورًا لما كانت تصبح مصدرًا لخيرنا، إذ تؤدب كبرياءنا وتكاسلنا، وتقودنا إلى الغيرة، وتجعلنا أكثر يقظة، بنفس المعنى يقول الأب ثيؤدورفي مناظرات ق.يوحنا كاسيان:إعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم تعبيريْ "شرور"، "أحزان" في معان غير موضعها، فإنها ليست شريرة في طبيعتها وإنما دُعيت كذلك لأنه يظن أنها شرور بالنسبة لمن لم تسبب لهم خيرً"لأَنَّ السَّاكِنَةَ فِي مَارُوثَ اغْتَمَّتْ لأَجْلِ خَيْرَاتِهَا"  (37)

الآية الثانية   :"هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟" ( عا 3 : 6 ) و "لأَنَّ شَرًّا قَدْ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلَى بَابِ أُورُشَلِيمَ." ( ميخا 1 : 12 ) (38)

التفسير   :الشر هنا هو الضيق الذي يسمح به الله للتنقية والتأديب. هنا الله يعلن أنه المسئول عن كل ما يحدث لهم، كل شيء من يده. "يقصد بهذا الكلام فعل الالم الذى يحدث للخطاة بغرض إصلاح و تقوييم أخطائهم لانه يقول بعد ذلك "فأذلك وأجاعك وأطعمك المن الذى لم تكن تعرفه و لا عرفه أباؤك لكى يعلمك ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الرب يحيا الإنسان (تث 8 : 3 ) و ذلك لكى يوقف الظلم قبلما ينتشر و يمتد إمتدادا فائقا "(39)

 

الآية الثالثة :"وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: عِنْدَمَا تَذْهَبُ لِتَرْجعَ إِلَى مِصْرَ، انْظُرْ جَمِيعَ الْعَجَائِبِ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِي يَدِكَ وَاصْنَعْهَا قُدَّامَ فِرْعَوْنَ. وَلكِنِّي أُشَدِّدُ قَلْبَهُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ الشَّعْبَ" ( خر 4 : 21 )

التفسير   :لقد أعمت العظمة عيني فرعون، فقد كان يعتبر نفسه إبنًا للشمس، ومن أجله يفيض النيل، ومن أجله كانت مصر بكل ما عليها، بل أنه جالس مع الآلهة يتقبل العبادة مثلهم، وكان القسم بإسمه يعتبر أعظم قسم يتلوه المصري، وظن فرعون في البداية أن إله إسرائيل إله حفنة من العبيد، فهو إله ضعيف، لذلك قال لموسى وهرون " من هو الرب حتى أسمع لقوله فأطلق إسرائيل. لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه " )خر 5: 2( و قد تكلم الرب لعلمه بغلاظة قلب فرعون - بحكم علمه السابق- لقسوته وغلاظة قلبه فأراد الله أن يعلن إنه هو الإله الحقيقى و سلطانه علي فرعون نفسه ،لهذا موسى أعلن الحق واضحًا أمام فرعون، ولكن فرعون رفض الحق بكامل إرادته، وغلَّظ قلبه، فتركه الله لغلاظة قلبه وإظلام عقله. لقد رفض فرعون الحق والنور وسار في الظلمة فتركه الله لإظلام عقله. قسَّى فرعون قلبه فتركه الله لقساوة قلبه. أصر فرعون على معصية الله فمنع الله عنه النعمة الإلهية التي تقود الإنسان للتوبة، بل أسلمه الله إلى ذهن مرفوض ففعل ما لا يليق، ولم يستحسن فرعون أن يبقى الله في معرفته أسلمه الله إلى تصلفه وكبريائيه التى كانت سبب هلاكه. فقد تشرق الشمس على قطعتين من الطين والشمع، فماذا يحدث؟ إن قطعة الطين تجف وتتيبس، أما قطعة الشمع فتلين ويسهل تشكيلها، والعيب ليس في حرارة الشمس ولكن في طبيعة المادة، وهكذا كان قلب فرعون مثل قطعة الطين التي جفت ويبست من الحرارة الإلهية، لأنه كانت له أذانًا لا تسمع، وله أعينًا ولا تبصر.

 يوضح لنا قداسة البابا شنودة الثالث " عبارة قسى قلبه، تعني تركه لقساوته أي تخلت عنه النعمة، فبقى قاسيًا. وهذا يذكرني بما ورد عن الفاجرين في أول الرسالة إلى رومية {وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض، ليفعلوا ما لا يليق} (رو 1: 28) وعبارة " ذهن مرفوض " هنا تعني " مرفوض من النعمة"،أي أنها حالة تخلي من النعمة، فعلوا فيها ما لا يليق. وهذا هو الذي حدث مع فرعون، تخلت عنه النعمة بسبب قساوته.. الناس هم الذين يتقسون، لهذا قال الكتاب " إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 7: 9، مز 95: 7، 8) وفرعون كان قلبه قاسيًا، لم تصلح معه الإنذارات ولا الضربات لإستمراره في رفض عمل النعمة، تخلت عنه النعمة، فرجع إلى قساوته التي فارقته جزئيًا أو ظاهريًا أثناء عمل النعمة فيه. فقيل أن الرب قسى قلب فرعون، أي تركه لطبيعته القاسية. أسلمه إلى ذهنه المرفوض من النعمة .

 

الآية الرابعة:"وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ،وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ."(1 مل 22: 23)

التفسير   :بقرأة الاصحاح من أوله ستجد إن ميخا يتكلم عن رؤيا رآها . وهو قد رأى الله جالسا على عرشه. ومن يرى الله على عرشه هل يهتم بملكين أرضيين على عروشهم الأرضية. من يرى الله سيهتم أن يرضيه ولا يرضى ملوك سيموتوا إن آجلا أو عاجلا إنما هو واقف أمام الله الجالس على عرشه وملائكته حوله يخدمونه وينفذون مشيئته والملائكة عن يمينه وعن يساره. وقوات الشر لا تتحرك سوى بسماح منه ومع أنه لا يوافق على شرهم إنما هو يسمح لهم ببعض التصرفات لتأديب شعبه وتنفيذ أغراضه. مَنْ يغوي أخاب؟ الله لا يغوي أحدًا، لكنه جزاء ضلاله يستحق العقاب وهو يرفض أن يسمع كلام الله ولأنبياء الله، بل يصغى للأنبياء الكذبة،والله أعطاه حسب قلبه (مز 4:20) فسمح لروح مضل (شيطان) أن يضله، فهو يريد هذا ويريد أن يسمع هذا الكلام. وإذا سمع صوت الرب رفضه فتركه الله لقلبه. ثم خرج الروح أي روح الضلال. وطالما سيضع كلام كذب فهو الشيطان الكذاب. (40)

الآية الخامسة:" فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ." ( مت 11 : 25 )

التفسير   :يكشف ابن الله السرّ السماوي، معلنًا نعمته للأطفال وليس لحكماء هذا الدهر (مت 11: 25). يذكر الرسول بولس ذلك بالتفصيل: "لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يُعرف الله بالحكمة إستحسن الله أن يُخلِّص المؤمنين بجهالة الكرازة" (1 كو 1: 21). فمن يعرف أن ينتفخ أو يعطي كلماته رنين الحكمة فهو حكيم (هذا الدهر)، أما الطفل فيقول: "يا رب لم يرتفع قلبي، ولم تستَعْلِ عيناي، ولم أنظر في العجائب والعظائم التي هي أعلى مني" (مز 1:131)، هذا يظهر صغيرًا لا في السن ولا في الفكر وإنما بِتواضعه، خلال إبتعاده عن المديح، لذا يضيف: "لكن رفعتُ عينيَّ مثل الفطيم من اللبن من أُمِّه". تأمَّل عظمة مثل هذا الإنسان في كلمات الرسول: "إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فلْيصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا، لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله" (1 كو 3: 18-19)(41)

يقصد بالأطفال كل من يقبل المسيح في بساطة قلب ويحمل صليبه في إتضاع، هو من يرتمي في حضن أبيه، لا ينتقم لنفسه بل يشكو لأبيه، إطمئنانه وقوته هو أبوه السماوي، يجد لذته في حضنه، هؤلاء يدخل بهم السيد إلى معرفته. لذلك إختار المسيح تلاميذه من البسطاء (1كو3 : 18 ).

 الحكماء والفهماء هؤلاء مثقلين بالأنا وهم حكماء في أعين أنفسهم بكبرياء رافض لأي مشورة، فلا يقدرون أن يدخلوا طريق المعرفة الإلهية الحقة. ولنلاحظ أن الله لم يقل أعلنتها للجهلاء والأغبياء، بل للأطفال، فالأطفال هم البسطاء المتضعين، ولكنهم في الحقيقة مملوئين حكمة وفهم، هؤلاء المتضعين يعطيهم الله. من يعترف أنه جاهل يعطيه الله حكمة وفهم قلب. وهذه هي مسرة الآب أن يعطى حكمة للمتضعين. (42)

الآية السادسة:" فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلاَ يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَامِعِينَ وَلاَ يَفْهَمُوا، لِئَلاَّ يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ." ( مر 4 : 11،12)

التفسير   : "اِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ.وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ "( يو 1 : 11 – 13 ) هؤلاء هم خاصته الجديدة و تلاميذة الذين آمنوا به و قبلوه و تبعوه بحثا عن الحياة الأبدية " يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ "( يو 6 : 68 ) لم يكن كل أتباع يسوع يبحثون عن الحياة الأبدية بل كما قال: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: أَنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي لَيْسَ لأَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ آيَاتٍ، بَلْ لأَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ مِنَ الْخُبْزِ فَشَبِعْتُمْ" و آخرون لكى يصطادونه بكلمة كالفريسين و الكتبة و غيرهم،فيجب أن نمييز بين مجموعتين:الاولى و هم التلاميذ و من تبعوه بحثا عن الحياة الأبدية و هؤلاء تنقوا بكلام السيد المسيح و صيرهم أولاد الله فنجده يقول :"  أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" ( يو 15 : 3 )هؤلاء الذين قال لواحد منهم و هو بطرس "  إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ "( مت 16 : 17 )،وأما المجموعة الثانية فهم من الخارج الذين يتبعونه ليس لأجل كلام الحياة الأبدية بل لأسباب أخرى ذكرنا بعضا منها،وهؤلاء إذ لا يقدروا أن يدركوا السرّ في أعماقه، بل يحرمون نفسهم بنفسهم من المعرفة الإيمانية الحية، فيبصرون بعيونهم الجسديتين ويسمعون بأذنيهم الماديتين، أما أعماقهم فلا ترى ولا تسمع. وهكذا لا يرجعون إلى المخلص فى الحين حيث كان يغفر للناس خطاياهم مقدما بعربون الفداء الذى سيتممه علي الصليب،ولكن حينما يتمم الفداء على الصليب و إن رجعوا و آمنوا يكونون مستحقين غفران خطاياهم.

بنفس الفكر نجد السيد المسيح يقدم حياته مبذولة على الصليب علانية، لكنه لا يستطيع أحد أن يتفهم سرّ الصليب إلا الراغب في الإلتقاء معه ليتعرف على قوة قيامته. فالصليب تمت أحداثه أمام العالم، أما القيامة فيختبرها الراغبون في التمتع بعملها فيهم، هؤلاء الذين يصعدون مع التلاميذ في علية صهيون يترقبون ظهوره.

 

الآية السابعة:"أَنَّهُ يَقُولُ الْكِتَابُ لِفِرْعَوْنَ: «إِنِّي لِهذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ، لِكَيْ أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِي، وَلِكَيْ يُنَادَى بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ" ( رو 9 :17 )

التفسير    : الله إختار موسى ورفض فرعون لأنه يعلم قلب موسى فسانده ليتمجد فيه خلال الرحمة، والله يعلم قسوة قلب فرعون فتركه في عناده، ولاحظ أن فرعون هو الذي إستمر في عناده وإهاناته لله، فلم ينزع الله هذه القسوة حتى يتمجد الله خلال هذا العنف الشرير، وبهذا يكمل موسى كأس مجده ويكمل فرعون كأس شره. والله يتمجد بهذا كما بذاك. فسواء الإنسان البار أو الإنسان الشرير، فالله يستخدمهما كليهما في تنفيذ خطته الأزلية. فالله إستخدم قساوة فرعون ولم ينزعها، الله رفع يده ورحمته عنه فبقى في قساوته ليرى المصريون واليهود مجد يهوه ويدركوا تفاهة الأوثان  (43)

الآية الثامنة :" كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَعْطَاهُمُ اللهُ رُوحَ سُبَاتٍ، وَعُيُونًا حَتَّى لاَ يُبْصِرُوا، وَآذَانًا حَتَّى لاَ يَسْمَعُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ. " ( رو 11 : 8 )

 التفسير  :لا تُفهَم أن الله كان السبب في تضليلهم، بل هم بعنادهم وكبريائهم وخطاياهم لم يروا ما رآه غيرهم فآمنوا إذ رأوا .هم كان لهم عيون ولكنها كانت موجهة لذواتهم، فلم يروا سوى أنفسهم، ولم توجه عيونهم لله، فلم يعرفوا الله، ولم يعرفوا المسيح صورة الله. ونظرًا لعنادهم رفع الله عنهم نعمته إذ هم لا يستحقوها (إذ أنهم لا يريدون) فإزدادوا عمي وصمم كمن في سُبَاتٍ و هذه تساوي قوله تقسوا(آية 7) هؤلاء إختاروا محطة أخرى هي المجد الذاتي والكبرياء، ولم يختاروا محطة مجد الله. (44)

 

إن التوفيق بين هذه الايات يوضح إن الخطيئة هى من عمل الانسان، و ليس من فعل الله ،و إن كان بسماح من الله، فبولس الرسول يقول :"فَمَاذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، إحْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ " ( رو 9 : 22 )فالدليل على أن الإنسان هو علة هلاكه لنفسه بنفسه ، و إن الإنسان هو الذى يهيئ آنيته ( نفسه) للهلاك ، ما يقال عن الله هنا من أنه " احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ" فلو إن الله هو علة هذا الهلاك لما قيل عنه ذلك، و يتضح هذا بالاكثر فى رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس حيث يؤكد على حرية الإنسان و مسئوليته تجاه نفسه " وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ.  فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ".( 2 تى 2 : 20، 21 ) (45)

 

إن الله غنيٌ في عدالته ، يقيد قوة الشيطان و يحد من سلطانه ، كما ظهر ذلك فى قصة شفاء مجنون كورة الجدريين ، فإن الشياطين لم تقدر أن تدخل فى الخنازير إلا بسماح من الله ، " أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِس. وَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ قِائِلاً: «اسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُون».وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ.وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى،فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا.فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ. وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَاخْتَنَقَ فِي الْبَحْرِ." ( مر 5 : 8 – 13 ) و إذا كان هذا قد جرى مع الحيوانات و الكائنات غير العاقلة ، فكم بالحرى يجب أن يتم هذا بالنسبة للإنسان.

 

إجابات لبعض الأسئلة المتكررة حول موضوع الشر :

سؤال :فلماذا لا يصنع الله دائما المعجزات و يخلص الناس من الشرور؟

لا يمكن أن يصنع الله المعجزات دائما و إلا سيكون بهذا ألغى القوانين الوضعية التى وضعها هو، و التى تحكم الكون و البشر، و كذلك سيلغى إرادة الإنسان،و لا يجعله يتحمل مسئولية أفعاله، فالبشر ليسوا قطع شطرنج يحركها الخالق ،ولكن الله لا يترك الأمورهكذا و لكنه دائما ما يحول الخسارة الى ربح عظيم ،كمثال المرأة تتمخض بآلآم شديدة ليخرج منها مولود جديد ، و أيضا كمثال حبة الحنطة تموت لتعيش مئة حبة حنطة جديدة ،و دائما خسارة أقل و ربح عظيم, كما لم تستطع العوامل السلبية أن تسود العالم إلى ما لا نهاية بلا ضابط (46)

 

سؤال :على أى اساس يمكن التمييز بين الخير و الشر ؟

الإجابة المنطقية هى إنه يجب أن تكون هناك نقطة مرجعية لا متناهية صالحة بالمطلق . و إلا سنكون أشبه بمن يبحربقارب فى عرض البحر فى ليلة مملوؤة غماما بدون بوصلة ،أى انه لا يوجد لدية طريقة للتمييز بين الشمال و الجنوب ،و ذلك فى غياب نقطة مرجعية مطلقة ألا و هى إبرة البوصلة  (47)

وان الله هو النقطة المرجعية المطلقة فقط  للتمييز بين الخير و الشر،و ذلك لأنه هو الصلاح المطلق ، فلو كان الله غير موجود لما كانت المقاييس الادبية المطلقة موجودة، التى بها يحكم الفرد على أمر ما بأنه شر ... و عليه فان حتى وجود الشر يؤكد حقيقة وجود الله و لا ينكره.

 

سؤال: كيف تنسب لله البغضة (للخطاة) و هو غير قابل للتغيير و الآلآم النفسية؟

يجيب العلامة القمص ميخائيل مينا فيقول :"إن بُغض الرب للخاطئ غير التائب ليس عن تغيير حادث فى الله ، لأنه فى قداسته و بره و صلاحه يكره الخطية دائما. و إن لم يبغضها لا يعد قدوسا و كامل الصلاح و البر ، و لا تكون الحرارة حرارة إن لم تكن بعيدة عن البرودة ، و لو فى أدنى درجة للحرارة"(48)

كما يذكر قداسة البابا شنودة الثالث:" إن نقاوة القلب لا تعنى فقط عدم فعل الخطية بل كراهيتها، فقد لا يفعلها المرء و لكن يشتهيها، و لا تمكنه الظروف من عملها فعلا ،فيتدنس القلب بفكر الشهوة و الميل اليها."

 

سؤال : كيف يكره الله الخاطئ بينما تدل النصوص الإلهية على إنه يحبه محبة بدون حدود كما ورد فى (يو3 :16 ) "أَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ."

يجيب القديس أغسطينوس : " إن الله يجد فى الخاطئ سبب المحبة، وسبب البغضة ،فسبب المحبة ما نسب إليه، و سبب البغضة ما نسب إلينا" بمعنى ان الرب يحب ما له و ما يصدر عنه، و يبغض ما لنا و ما صدرعنا من شر، فوجودنا و جسمنا و روحنا صادره من صلاحه و قدرته فيحبها. و خطايانا و شهواتنا المنحرفة و نقائصنا صادرة من شقاوتنا و تكاسلنا فيبغضها. (49)

 

سؤال : لماذا يمضى الأشرار إلى عذاب أبدى لأجل لذة وقتية و هل هذا يتناسب مع عدل الله ؟ (50)

إن الخطية هى ضد قداسة الله التى بلا حدود، كما إن الرب فى حنان يفتح باب التوبة حتى اخر العمر، فمن تاب رحمه و من ظل على عناده هلك إلى الأبد.كما إن العذاب الأبدى بدرجات تتناسب مع درجة كل شر و بشاعة الخطية.

إن الذنب أو الجرم يعظم بقدر من صنع فى حقه التعدى، أي تتعظم الخطية بحسب مكانة الذى تمت الإساءة اليه ، فمن أخطأ فى حق أخيه، ليس كمن أخطأ فى حق أبيه ،ليس كمن أخطأ فى حق رئيسه أو أحد الوزراء، أو أحد الملوك ... إلخ ، فما بالك فى من يخطئ فى حق الله!!.

يقول القديس باسيليوس الكبير : " إذا كانت عقوبات جهنم الأبدية لم تمنع الخاطئ أو تردعه من إرتكاب الخطية و ربما إفتخر بها ، فكيف يكون الحال لو لم تكن عقوبة أبدية ؟"

و يقول " إنك تقول إنه لا يوجد تناسبا بين لذة وقتية و عذاب أبدى ،فأنت إذاً جاهل القلب ، حيث إنك تختاراللذة الوقتية مع علمك بأن الله نهاك عنها بالتهديد بالعقاب الأبدى و الحكم عليك إن فعلتها"

خلود العقاب بسبب خطية صنعت فى مدة وجيزة فضلا عن كونه موافقا عدل الله، فهو موافق عدل الشرائع الوضعية (الأرضية) أيضا ،فيتم إعدام المجرم عن خطية صدرت منه فى مدة وجيزة ،ولا يعترض أحد على حكم القاضى عليه بالموت.

 

سؤال : لماذا لم يمنحنا الله طبيعة لا تميل للخطية؟

العبيد المجبرين على الخدمة لا يعتبرون أحباء أسيادهم إلا إذا خدموهم بإختيارهم و إرادتهم، عندئذ نعتبرهم أحباءا، و الحقيقة إن من يشكو ان الله لم يمنحنا طبيعة غير قابلة لفعل الخطية، انما يفضل لنفسه طبيعة أخرى غير العاقلة محتقرا بذلك طبيعته.

ليتنا نتوقف عن تقييم أعمال الله كلي الحكمة، و إن غابت عن اذهاننا مقاصد الله، فيا ليتنا نتمسك بعقيدة واحدة هى أن الله كلي الصلاح لا يصدر عنه أي شر (51)

فما قيمة الإرادة إن لم تكن حرة، وما قيمة الحرية إن لم يكن هناك إختيارات متعددة، و لى الحق فى أن أختار "قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ،" ( تث  30 : 19 ) و بالوصية يتم اختبار الطاعة.

 

سؤال : لماذا يحاربنا الشيطان نحن البشر؟

الشيطان كان ملاكا لكنه سقط من رتبته بإرادته ، فإرادة رئيس الملائكة غبريال مثلا هى التى حفظته فى السماء ، أما الشيطان فإن إختياره الحر هو الذى ألقى به إلى أسفل.

ولأن أي وعاء يحتوى الشر يقبل أى مرض مثل الحسد ،فالشيطان هذا الوعاء المملوء بالشر قد حسدنا من أجل المكانة التى منحها الله لنا ، فالله لم يخلق هذا الكائن ( الملاك الساقط اى الشيطان) لكى يكون عدوا لنا ،و لكنه من جراء الحسد إنتهى إلى هذه الحالة العدائية ، و لأنه سقط من مكانته الملائكية ،فلم يستطيع أن يري الإنسان الأرضى يرتفع مترقيا نحو رتبة الملائكة،(52) و بهذا الحسد يسعى لسقوطنا معه لنخسر أبديتنا .

و بهذه الأفعال الشريرة صار الشيطان عدونا الذى يسعى لسقوطنا ،و قد حدد الله لنا أن نجاهد ضد الشيطان و حيلة بطاعة وصايا الله ، حتى نستطيع أن نتوج مرة ثانية بإنتصارنا على الشيطان.

فالشيطان يمقت الإنسان و يحارب الله كما يكرهنا لأننا ملك لله، و أيضا لاننا خلقنا بحسب صورة الله.  (53)

و لهذا يطلق على الشيطان إسم (ديافلوس باليونانية و تعنى المشتكى) لأنه صار هو نفسه معاون فى فعل الخطية، ثم يشتكى أيضا علينا لأنه يفرح لهلاكنا، و يقودنا لفعل الشر، فكما قال بولس الرسول "  فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ." ( أف 6 : 12 )

لكن يسوع المسيح المخلص كرز لنا بملكوت السموات، بعدما إنحصرت سيادة الشيطان الشريرة حول الارض ،و هذا تم بفضل الآم المخلص السيد المسيح الذى صالح الارضيين بالسمائيين، حيث مهدت السماء بمجيئه من خلال ظهور الملائكة و بقولهم " المجد لله فى الاعالى و على الارض السلام و فى الناس المسرة " ( لو 2 : 14 ) (54).

كما ظهرسلطان السيد المسيح فى قصة شفاء مجنون كورة الجدريين ، فإن الشياطين لم تقدر أن تدخل فى الخنازير إلا بسماح منه ، " أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِس. وَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ قِائِلاً: «اسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُون».وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ.وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى،فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا.فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ،

فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ. وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَاخْتَنَقَ فِي الْبَحْرِ." ( مر 5 : 8 – 13 )

و قد دفع إلينا من سلطانه أن ندوس الحيات و العقارب و كل قوة العدو باسم صليب ربنا و إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح.

 

سؤال : هل نفرح فى التجارب و الضيقات؟

يجيب القديس يعقوب الرسول فيقول :

" اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ" ( يع 1 : 2 )

و"طوبى للرجل الذى يحتمل التجربة،لانه اذا تزكى ينال إكليل الحياة الذى وعد به الرب للذين يحبونه"(يع1 : 12)

و لإدراكهم بأن الشر يحوله الله للخير لذلك صار عند الرسل كنوع من الافتخار حتى أن بولس الرسول يقدم موسى النبى فيقول:

"بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ" ( عب 11 : 24 – 26 )

" بل نفتخر أيضا فى الضيقات عالمين أن الضيق ينشأ صبرا و الصبر تزكية ، و التزكية رجاء ، و الرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا " ( رو 5 : 3 – 5 )

يقول المرنم "جَرِّبْنِي يَا رَبُّ وَامْتَحِنِّي" ( مز 26 : 2 ) فإن الفحص الإلهي إنما يزيده تزكية وبهاءً ومجدًا.إفحص رغباتي الدفينة بالنار، جرب وامتحن أفكاري مؤكدًا أنها لا تعيش في الشر، وأن الشر لا يثيرها.أية نيران تفحص قلبي؟ نار كلمتك. أية نيران تجرب قلبي؟ لهيب روحك. (55)

 

أقوال بعض الآباء

من أقوال القديس يوحنا ذهبى الفم:  (56)

  • "الألم معلمنا ، إننا لا نجلب الألم على أنفسنا ، إنما نحتمله بشجاعة متى تعرضنا له ، لأنه دائما مصدر خيرات كثيرة "
  • "لا تشته حياة خالية من كل ضيقة ، فإن هذا ليس فيه خيرك "

من أقوال مار إسحق السريانى  (57)

  • " النفس المظلمة هى بذاتها ترشد الشياطين إليها ليكملوا فيها كل الشرور "

من أقوال القديس مار إفرام السريانى 

  • " إهرب الى الله فيهرب منك الشيطان" ( 58 )
  • " إكره الخطايا و الشرور فيهرب الشيطان للحال " ( 59 )
  • " أين لذة الخطية المسماه كذبا إنها لذة، لأن ليست لذة إلا مخافة الرب و محبته " (60)

من أقوال القديس باسيليوس الكبير

  • "يتطلع الى الساكن بعيدا،الذى لا يستطيع إنسان أن يراه، و يتطلع الى القلب الذى خلقة بلا شر. الله الذى صنع قلوبنا، ينظر بإهتمام إلى كل أعمالنا، ليس أعمالنا فقط بل و أقوالنا أيضاً، و أفكارنا، و كل حركة عموما فى الإنسان"(61)
  • إذا كانت عقوبات جهنم الأبديى لم تمنع الخاطئ او تردعه من ارتكاب الخطية، و ربما إفتخر بها ، فكيف يكون الحال لو لم تكن عقوبة أبدية ؟"

 

ختاماً

إن الله صانع الخيرات كلى القداسة يكره الشر و يبغضه، و قد خلقنا على صورته فى الطهارة وحرية الإرادة و أعطانا السلطان على الأرض و المخلوقات، و لكن بسبب ضعفنا وإعوجاجنا أخطأنا فى الإختيار، و التففنا بعيدا عنه، تركنا النور و الدفء  فحوطتنا الظلمة و البرد، ودخلت الخطية فينا و تملكت علينا، و رويدا رويدا صرنا تائهين فى ظلمة هذا الدهر، و فقدنا صورة سلطان الله، وصارت الأرض ملعونة بسببنا، فقست علينا و تمردت، فزاد شقائنا.

و لكن لعظم محبة الله وعنايتة الفائقة، دبرلخلاصنا فأرسل الأنبياء و الرسل ووضع الوصايا ،و إذ كان الكل فى إحتياج للخلاص لأنهم جميعا زاغوا و فسدوا و أعوزهم مجد الله، و لم يكن فى إستطاعتنا أن نرجع إليه من نفسنا، فتجسد هو نفسه و نزل إلينا فى ملء الزمان ليردنا إليه، محتملا الآما كثيرة و صدودا و قساوة و إهانات من أجل فداءنا، حتى الى الموت على صليب العار، وردنا إلى منزلتنا الأولى فى السماويات. فكيف بعد كل هذا الحب أن نستمر فى هذا الصدود و هذه القساوة،بعد أن أصلح الرب ما قد افسدناه ؟!، يجب أن نتمسك بهذا الخلاص العظيم و لا نضيعه من أجل أمور فانية زائلة و نترك الأبدية ، علينا أن نجاهد حتى نكمل السعى ، علينا أن نحتمل الضيقات و التجارب التي قد يسمح الله لنا بها من أجل تزكيتنا و تنقيتنا فنثقل كالذهب .

علينا أن نتمثل بتلاميذ الرب يسوع و الرسل و القديسين ،وأن نفرح فى الرب كل حين، وأن نكون على كل شيئ شاكرين ،و بإيمانهم متمسكين ،و لتعاليمهم حافظين، إلى أبد الآبدين. آمين .

 

الخلاصة:

     إن كل ما يحيط بنا و نعتقد أنه شر ،لا يجب أن ننسبه إلى الله، لأنه كلى القداسة و الصلاح ، و لكنه قد يسمح به لمنفعتنا وقد يستخدمه الله ويحوله ليخدم خطة خلاصنا، بإرادتنا، ذلك لأنه يرى المستقبل كالحاضرو الماضى، وأما نحن فلا ندرك إلا الحاضرفقط و من يتأمل الماضى يتحقق من عنايته الفائقة لنا، لذا فلنسلمه مستقبلنا و نحن مطمئنين عالمين أن لا شيئ يمكن أن يفصلنا عن محبته إن طلبناه و حفظنا وصاياه.

 

المراجع

  • الكتاب المقدس
  • تفسير الكتاب المقدس لقدس أبونا تادرس يعقوب ملطى
  • تفسير الكتاب المقدس لقدس أبونا انطونيوس فكرى
  • دراسات فى علم اللاهوت النظرى (الجزء الاول) لقدس أبونا بنيامين المحرقى - الطبعة الثانية مطبعة شركة الطباعة المصرية
  • الله ليس مسببا للشرور- للقديس باسيليوس الكبير(ترجمة د.جورج عوض إبراهيم ) الطبعة الأولى مطبعة جى سي سنتر – سفير مصر الجديدة
  • من كتاب وجود الله حقيقة أم خرافة - للقس الدكتور بيشوى حلمى -الطبعة الأولى أكتوبر 2017- مطابع النوبار العبور - الفصل التاسع عشر كتاب رسائل الى عزيزى الملحد - للأستاذ الدكتور موريس تاوضروس - الكلية الاكليريكية بالقاهرة 2016
  • علم اللاهوت العقيدى – المجلد الاول للدكتور موريس تاوضروس الطبعة الأولى مكتبة أسقفية الشباب مطبعة نوبار
  • القضية الإيمان تأليف لى ستروبل ( ترجمة حنا يوسف ) مكتبة دار الكلمة القاهرة 2007
  • الله و الإنسان لقداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث - الكلية الاكليريكية - مطبعة الانبا رويس بالعباسية
  • أقوال مار إسحق السريانى - للقمص أغسطينوس البرموسى - الناشر مكتبة المحبة مطابع النوبار العبور- الطبعة الثانية
  • أقوال مار أفرام السريانى - للقمص أغسطينوس البرموسى - الناشر مكتبة المحبة مطابع هارمونى للطباعة- الطبعة الثانية
  • الاباء الكبادوك – أقوال القديس باسيليوس الكبير – الجزء الثالث – للقمص تادرس يعقوب ملطى – الناشر كنيسة مارجرجس سبورتنج – مطبعة دير مارمينا العجايبى بمريوط
  • موسوعة علم اللاهوت الأجزاء المجمعة للعلامة القمص ميخائيل مينا ( تنسيق و تبسيط دياكون د.ميخائيل مكسى) - مكتبة المحبة -  طباعة هارمونى للطباعة
  • الرسالة الى الوثنيين للقديس أثناسيوس الرسولى
  • كتاب لمحات من إبداع الخالق الدكتور نبيل فرحات–الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب – إصدار2013
  • الموقع الإيكترونى للقديس الأنبا تكلا هيمانوت القبطى الأرثوذكسى (https://st-takla.org )

إلى هنا أعاننى الله تبارك أسمه.

اذكرونى فى صلواتكم

اغنسطس اكليريكى / مينا ثروت قلادة