البابا ديونيسيوس البطريرك الاسكندرى الرابع عشر

البابا ديونيسيوس البطريرك الاسكندرى الرابع عشر 

(أحد أهم رموز مدرسة الإسكندرية اللاهوتية في القرن الثالث الميلادى)

المقدمة

 منذ بداية كرازة القديس العظيم مار مرقس الرسول في الإسكندرية، وجد شعبها شغوفا مهتما بالثقافة والفلسفة و العلم و كانت هناك مدرسة الإسكندرية الوثنية (التي أنشأها بطليموس سوتير أول ملوك البطالمة) فقرر إنشاء مدرسة موازية تكون مصدرًا للنور والمعرفة، تقوم بتدعيم المبادىء المسيحية والتعاليم المسيحية، وتقف في وجه مدرسة الإسكندرية الوثنية وتفند إدعاءاتها، وتدحض آرائها الفاسدة.

لذا ركز اهتمامه في بادئ الأمر بأن يجعل الدراسة فيها قاصره على درس الكتاب والعلوم اللاهوتية فقط ليضمن توقف تيار الفلسفة الوثنية الجارف. واستعان لذلك بأساتذه جبابرة من أولاده الفلاسفه المصريين الذين قبلوا الإيمان ونالوا المعمودية على يده.

 كما أسند إدارتها ورياستها للعلامة يسطس المشهود له من الجميع بالتقوى والغيرة المقدسة والذي صار فيما بعد سادس بابا للمدينة العظمى الإسكندرية.

 ثم عاد وفسح المجال لبعض العلوم لكى تدرس بجانب علوم الكنيسة كالطب والهندسة والفلسفة والمنطق والموسيقى وغيرها، و ساند الرب  هذا العمل المقدس فنجحت وازدهرت وعطرت بأريجها ليس مدينة الإسكندرية أو القطر المصري بأكمله فحسب، بل و المسكونة كلها  شرقاً و غرباً. إذ اصطادت هذه الشبكة الروحانية نفوسًا كثيرة للمسيح على مختلف الأجناس و الثقافات .

و أنتشر أريج هذه المدرسة بنعمة رب المجد يسوع و بفضل رؤسائها و مدرسيها الذين اثروا العالم كله بتعاليمهم القويمة الراسخة الايمان و بأعمالهم الصالحة و تقواهم الذى شهد له العالم أجمع حتى ان العالم على مر العصور كان و لا يزال يشهد لهم فيقول مؤلف كتاب آباء ما قبل نيقية في الكتاب السادس :

" تستمر الإسكندرية لتكون رأس التعليم المسيحى،  و انه من الممتع ان تستشعر يد الرب من جيل الى جيل ، كإنما من أب الى أبن ، يتدخل من أجل ديمومة الايمان الى الأبد ، حيث اننا قد لاحظنا استمرار مدرسة الإسكندرية العظيمة ، كيف نشأت و كيف كان العلامة بندينوس معلما للقديس إكليمنضس ، و القديس إكليمنضس معلما للعلامة أوريجانوس ، والعلامة  أوريجانوس معلما لغوريغوريوس الناطق بالالهيات ، و هكذا يمنحنا الرب أجيال من المعلمين الكنسيين الروحيين جيل بعد جيل من البداية."

و يقول أيضا: "أن (العلامة) العظيم أوريجانوس كمعلم كان له تلميذان كتوأم هما غوريغوريوس و ديونيسيوس ، نهجا حياتهما في خطين متوازيين ، حتى يقال انهما انتقلا في ذات اليوم و قد حافظا بكل نبل على نزاهة و ارثوذكسية المدرسة البارزة ( يقصد مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ) التي سريعا ما سطع نجمها الأبرز (القديس ) أثناسيوس (الرسولى ).

و من هنا جاء إهتمامى بالبحث في سيرة القديس البابا ديونيسيوس الرابع عشر الذى لقبة البابا أثناسيوس الرسولى بالبابا "معلم الكنيسة الجامعة " و كم لاقى من الالام و اضطهادات فلم يضعف او يلين بل كان يشتد صلابة و يحرص على افتقاد شعبه ليشملهم بعطفه و محبته و رحمته و أيضا كان حريصا على التعاليم الارثوذكسية السليمة و كم من مواجهات كادت من الممكن ان تعصف بالكنيسة و لكنه تصدى لها بكل حسم و شفقة كما سندرس.

 

بركة صلواته المقدسة فلتكن معنا ، أمين.

 

نشأته وحياته قبل المسيحية :

وُلد بالإسكندرية مع نهاية القرن الثاني حوالي عام 190 م.، من أبوين وثنيين ذوي جاه من أغنياء المدينة و شرفائها، علماه معتقدات الصابئة الذين يعبدون الكواكب و النجوم ، ،وعمل طبيباً ،و كان شغوفاً بالقراءة و الإطلاع على المدارس الفلسفية المختلفة حيث قادته الى المسيحية.

 ذات يوم قابلته امرأة مسيحية عجوز كانت تبيع بضع أوراق من رسائل بولس الرسول فلما تناولها واطلع عليها وجد بها شيئا غريبا وعلما عجيبا. فسألها "أتبيعينها" ؟ فأجابته: "نعم بقيراط ذهب فأعطاها ثلاثة قراريط، وطلب منها أن تبحث عن بقية هذه الأوراق وهو على استعداد أن يضاعف لها الثمن. فذهبت وعادت ببضع أوراق أخرى". وإذ وجد الكتاب ناقصًا طلب منها بقيته. فقالت له: "لقد وجدت هذه الأوراق ضمن كتب آبائي. وإذا أردت الحصول على الكتاب كاملا فاذهب إلى الكنيسة وهناك تحصل عليه". فذهب وطلب من أحد الكهنة أن يطلعه على ما يسمي رسائل بولس ،فأعطاها له فقرأها ووعاها بشغف شديد مندهشا من سمو معانيها و عمق فضائلها و تأثيرها على نفسه.

مضى ديونيسيوس الى الكنيسة و التقى بشماس يدعى أوغسطين ، فتناقش معه و طلب منه بأن يطالع المزيد من رسائل معلمنا القديس بولس الذي دفع له الرسائل كاملة، فقرأها وتأثر بعمق معانيها و تعاليمها ويقال انه قابل احد الكهنة حدثه عن السيد المسيح و المسيحية حتى قبل الإيمان المسيحي.

دخوله الايمان المسيحى:

مضى ديونيسيوس إلى البابا ديمتريوس البطريرك ال 12 الذى أخذ يعلمه ويرشده إلى حقائق الإيمان المسيحي ثم منحه سر المعمودية ، و ألحقه بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، حيث تتلمذ على يدي العلامة أوريجينوس ، وصار أحد كواكبها اللامعين فأحبه البابا ديمتريوس لنشاطه وأمانته وغيرته المقدسة .

 و يذكر الانبا ساويرس المؤرخ "انه جعل بيته بيعة و لبثت مدة طويلة تدعى باسمه". و قال ايضا انه كان له تلاميذ اسمائهم  تاودروس و اغريغوريوس و اثناخورس هؤلاء اقاموا معه خمس سنوات بعد تقدمته ثم نالوا رتبة الكهنوت و كان له تلميذ اخر اسمه افريقتوس كتب خمس كتب و تعب فيها فلما سمع بحكمة ياروكلاس البطريرك مضى الى الاسكندرية ليتعلم منه 

أ - سيامته شماسا ثم قسا :

سامه البابا ديمتريوس شماسًا و أوكل إليه مهمة الخدمة في تعليم الشعب.

و بعدها سيم قسًا بواسطة البابا ياروكلاس البابا ال 13 الذى أسند إليه رئاسة مدرسة الإسكندرية اللاهوتية جعله نائبًا في الحكم بين المؤمنين كما فوض إليه أمر إدارة البطريركية. 

وخلال رئاسته للمدرسة اللاهوتية خلال 17 عاما كان له تلاميذ كثيرون بعضهم من الوثنيين الذين تأثروا بأقواله و قدوته  و سلوكه و تقواه فقبلوا الايمان المسيحى .

رفع القديس شعارا في حياته " إن كل إنسان لا يأكل الطعام الروحى فهو هالك، و قد كنت أنا مشغولاً بالطعام الفانى و غافلاً عن خبز الحياة الباقى غير البائد حتى هَدَتْنى نعمة الله " 

و قد أخبرنا عن نفسه أنه اعتاد أن يقرأ حتى كتب الهراطقة، وأنه قد تشجّع على ذلك بواسطة رؤيا إلهية، ففي رسالته الثالثة عن المعمودية التي كتبها إلى القس الروماني فليمون قرر أن الله أعلن ذاته له، قائلًا له: "اقرأ كل ما يمكن أن تصل إليه يدك، فإنك قادر أن تصحح كل شيء وتمتحنه، فإن هذه العطية هي سبب إيمانك منذ البداية". وقد أهلته قراءاته المكثفة في كتب الهراطقة على مهاجمتهم من خلال أعمالهم.

لقبه القديس البابا أثناسيوس الرسولى بانه "معلم الكنيسة الجامعة" من أجل علمه و تعاليمه الوفيرة و من أجل دفاعه عن الايمان القويم.

ب - سيامته بطريركا و بحثه عن خليفة لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية

ولما تنيَّح القديس ياروكلاس حوالى سنة 246 م اتفق رأي كل الشعب على تقدمته بطريركا في أول طوبة (28 ديسمبر سنة 246 م.)، في زمن الملك فيلبس محب المسيح فرعى رعيته أحسن رعاية.

وكان أول ما قام به قداسته أنه بحث عن خلفاً له لإدارة مدرسة الاسكندرية اللاهوتية فارسل خطابا الى أوريجانوس معلمه رفاعاً الحرم عنه و يطلب منه أن يعود لمدرسة الاسكندرية اللاهوتية و لكن أوريجانوس اعتذر لحاجة المدرسة التى انشأها أوريجانوس فى قيسارية فلسطين إليه بعكس الحال بمدرسة الاسكندرية

فأسند مقاليد المدرسة الى ثيؤغانست الذى تمسك بتراث الاباء و حافظ على المستوى العلمى للمدرسة، و بعد انتقاله عين البابا ديونسيوس بيريوس خليفة له و كان بارعا فى كافة العلوم مما جعل الأنبا بطرس خاتم الشهداء البابا ال17 يطلق عليه لقب " أوريجانوس الجديد " و من نعمة الله على كنيسته انه أطال حياته فعاش ما يناهز القرن ،عاصر فيه أربعة باباوات حتى اصبحت مدرسة الاسكندرية بمجهوداته اسطع نقطة فى الكنيسة الجامعه . 

أهم الأحداث التي عاصرها البابا ديونيسيوس الرابع عشر:

ما لبث ان هاجت قوى الشر والإضطهاد على المسيحين و باباهم ،وذلك أن داكيوس تغلب علي الملك فيلبس وقتله، ولما جلس على كرسى الملك، أثار الاضطهاد على المسيحيين، وقتل كثيرين من البطاركة والأساقفة والمؤمنين.

و كانت رسالة البابا ديونيسيوس رسالة صعبة و هي الحفاظ على الكنيسة وسط موجات مستمرة من الاضطهادات، لذلك دُعي "ديونيسيوس الكبير" بسبب ما عاناه من ضيقات محتملًا ذلك في شجاعة وثبات كما سنذكر لاحقا فى هذا البحث، و كانت له غيرة مقدسة على كنيسة المسيح الجامعة لا على المستوى المحلي فحسب بل على مستوى الإيبارشيات الأخرى أيضا ً،فإنه بحق يعتبر "أحد أعظم شخصيات التاريخ الكنسي الهامة والجميلة"

مات داكيوس الملك ، فملك بعده غالوس، فهدأ الاضطهاد في بداية ملكه لما جناه ابوه على المسيحين فسالمهم ، و لكن تفشى داء الديفتريا فى انحاء المملكة ، فأقنعه كهنة الاوثان بأن هذا الوباء تفشى نتيجة غضب ألهة الاوثان لمسالمته للمسيحين ، فأنشأ اضطهادا مريرا جديدا على المسيحين . ولما مات هذا وملك مكانه فاليريانوس سالم المسيحين فى بادئ الامر حتى تسنى للبابا ان يطوف القطر المصرى و سام شمامسة و قسوسا و دشن كنائس مفتقدا رعيته و مثبتهم فى المسيح حتى بدأت من جديد نار الاضطهاد. 

ولما تغلب سابور ملك الفرس على غالوس واعتقله، تسلم الملك ابنه غاليانوس (أكتوبر 253 م – سبتمبر 268 م ) وكان صالحًا حليما فأطلق المعتقلين من المؤمنين وأعاد منهم من كان منفيًا. وكتب للبطريرك والأساقفة كتاب أمان أن يفتحوا كنائسهم و أمر ان يكتب فيه يوليوس قيصر ( لقبه الامبراطورى ) (11) الضابط الملك المحب لله يكتب الى ديونيسيوس البطرك و ديمتريوس ولباقى الاساقفة و يأمر بمراعاتهم ، و من كان يبغضهم فليبعد عنهم ،و تفتح لهم بيعهم ، فيتقووا بكتابنا ،و لا ينالهم بعد اليوم عذاب و لا حزن و لا غم بعد هذا الزمان لكى يكملوا خدمتهم لله و صلواتهم و قد أطلقناهم، و قد وليت أريليوس كيريانوس و أمرتهم أن يحفظهم و يراعيهم و يصلون صلواتهم و يقدسوا قدساتهم. و كان مكتوبا باليونانية.

و كتب كتابا آخر للاساقفة بان يأخذوا دياراتهم و مواضعهم كلها. و كان فى ذلك الزمان كسطس أسقف رومية و ديمتريانوس أسقف انطاكية و برميليانوس اسقف قيسارية الكبادوك و اغريغوريوس اسقف بنتس و أخوة اتاندرس أسقف قيسارية فلسطين و أومانوس أسقف أورشليم .

نماذج من الإضطهادات التي ألمت بالبابا ديونيسيوس و رعيته:

أولاً :

في عام 250 م. بدأ اضطهاد داكيوس Decius للكنيسة. وقد قدم البابا لمسات سريعة لشهداء الإسكندرية في ذلك الوقت في رسالته إلى دومثيوس وديديموس ورسالته إلى فابيوس أسقف إنطاكية، ذكر شهداء من رجال ونساء، صغار وكبار، عذارى وأمهات، جُلدوا وماتوا بالنار والسيف

 

ومن أمثلتهم:

إمرأة اسمها أبلونية كسروا عظامها و احرقوها ، و اخر اسمه سيرابيون عذبه الوالى الرومانى ة طرحه من فوق منزل من ثلاث طوابق فنال اكليله ، و آخر أخذوا رأسه و استشهد اثنان بالحرق ، و امرأة تركت اولادها و اعلنت ايمانها فقتلوها و اخرى وبخت الوالى فقتلها. 

لم يستشهد البابا نفسه، وقد حسب نفسه ضمن الذين رغم معرفتهم للرب زمانًا طويلًا لم يعد بعد أهلًا لذلك، وإن كان في اعتقاده أن السيد المسيح قد حفظه لزمن أخر مناسب.

بقيَ البابا في داره أربعة أيام ينتظر، بينما كان رجال الوالي يبحثون عنه في كل موضع غير متوقعين أن يجدوه في داره. أخيرًا هرب، فعرّض نفسه مثل القديس كبريانوس للاتهام بالجبن. وقد اقتطف المؤرخ يوسابيوس رسالة القديس ديونيسيوس إلى أحد أساقفة الأقاليم يدعى جرمانيوس كان قد لامه يدافع فيها عن نفسه قائلًا:

"أتحدث كمن هو في حضرة الله، إنه يعلم أني لا أكذب. إنني لم أهرب بدافع من نفسي، أو بدون إرشاد إلهي ، وحتى قبل هذا وفى نفس الساعة التي بدأ فيها اضطهاد ديسيوس، أرسل ( نائب القيصر في مصر) سابينوس جنديًا يبحث عني. وكنت في الدار أربعة أيام أنتظر قدومه، لكنه تجوّل يبحث في كل موضع، في الطرق والأنهار والحقول، إذ ظن أني مختبئ فيها أو أتي في الطريق إليها، فقد انطمست بصيرته ولم يجد البيت، ولا تصور أني أبقى في البيت في الوقت الذي فيه يجري البحث عني ، فقط بعد أربعة أيام أمرني الله أن أغادر الدار مع كثير من الأخوة ،أما كون هذا قد تم بعناية إلهية فواضح مما حدث بعد ذلك إذ ربما كنت نافعًا لبعض الأشخاص". * يستدل من هذا الخطاب على بعض القيم منها مبدأ عدم الهروب من الاستشهاد في المسيحية

أخيرًا قبض الجند عليه مع من كانوا معه وأرسلوه إلى السجن في Taposrls، لكن استطاع شماس يدعى تيموثاوس أن يفلت من أيدي الجند، هذا التقى بشخصٍ مسيحيٍ في الطريق كان ذاهبًا إلى وليمة عرس. أخبره بما حلّ بالبابا، وإذ سمع الحاضرون انطلق الكل إلى السجن، مسرعين كالسيل الجارف و أخذوا يصرخون بأصوات كالرعد ، فهرب الجند تاركين الأبواب مفتوحة. وإذ دخلوا السجن وجدوا البابا نائمًا. طلبوا منه مغادرة السجن فرفض حتى اضطر الشعب أن يحمله من يديه ورجليه ويدفعونه دفعًا، فذهب معهم إلى داره و ألحوا عليه قائلين أن حياته ليست ملكا له بل لشعبه و رجوه أن يذهب الى البرية فأطاع و انسحب الى البرية .

وكان وقت خلوته ملئ بالصلوات و كتابة الرسائل المشجعة لأولده و لكنيسته التي أراد الله ان يديرها وسط تيارات الألم و الاضطهاد حتى ان من طغيان هذا الامبراطور و للتضييق على المسيحين انه أمر بفصل جميع الموظفين المسيحين من مصالح الدولة 

و في رسالة من البابا ديونيسيوس الى اسقف أنطاكية، نجد توصيفا للاضطهادات و الضيقات التي عانت منها الكنيسة في زمانه فيقول : " اتفق الوثنيون جميعهم و صاروا مندفعين الى منازل المسيحين فكانوا يدخلونها بعنف و يخرجون السكان منها ، ثم كانوا يتلفون كل ما وصلت اليه أيديهم . و أما المسيحيون فلم يبدوا اية مقاومة بل وقفوا يراقبون خراب بيوتهم و هم صامتون ، و كانت الشوارع و الازقة تعج صراخا و ضجيجا ليل نهار بعذابات كثيرة لانهم رفضوا ان يجحدوا ايمانهم و ينكروا المسيح . كان من بينهم كثيرون قواهم الله و ارسل لهم معونته فدعوا شهودا أمناء على مجد ملكوت ابن الله .   

 

ثانيا : في عام 257 م. حدث أيضًا اضطهاد أثاره الإمبراطور فاليريان  فاستدعى الوالي إميلينوس Aemilianus البابا ومعه الكاهن مكسيموس والشمامسة فوستوس ويوسابيوس وشيريمون. وإذ طلب الوالي من البابا أن يترك عمله أجاب: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"، فجلد البابا  و طلب منه السجود للاصنام فأجابه القديس قائلا "نحن نسجد لله الآب و إبنه يسوع المسيح و الروح القدس الإله الواحد " فهدده الوالى و قتل أمامه بعض المؤمنين من شعبه ليضغط عليه ، فلم يثنيه عن إيمانه ، فنفاه إلى قرية صحراوية تسمى خفرو Cephrs، هناك استطاع أن يبشر بين الوثنيين بالرغم مما عاناه من اضطهادات ، فأرسل له الوالى قائلا له : "بلغنا انك تنفرد و تقدس فأجابه " نحن لا نترك صلاتنا ليلا و لا نهارا ، ثم التفت البابا الى شعبه و قال لهم " أمضوا و صلوا و إن كنت غائبا عنكم بالجسد فإنى حاضر معكم بالروح " فاضطر الوالي أن ينفيه إلى صحراء ليبيا فيCollutho.  لم يقف عمله هناك على عقد اجتماعات، والكرازة بالمسيحية بين الوثنيين، بل أجهد نفسه في خدمة كنيسته بالإسكندرية (بالرسائل) ليحفظ الخدمة.

 

ثالثا : حدثت أيضًا موجة اضطرابات جديدة، إذ هوجمت مدينة الإسكندرية من الجنوب بواسطة قبائل بربرية.

كما أعلن والي مصر إميلينوس في الإسكندرية نفسه إمبراطورًا. فنشبت حرب مدنية انتهت بأسره بواسطة القائد الروماني ثيؤدوتيوس الذي أرسل المتمرد مقيدًا إلى روما. خلال هذه الحرب دُمرت المدينة، وحلّت مجاعة، وانتشرت الأوبئة.

 تحدث البابا عن هذه الاضطرابات في رسالته الفصحية الدورية عام 263 م. جاء فيها: "قد يبدو أن الوقت غير مناسب للعيد...فنحن لا نرى إلا الدموع، الكل ينوح، والعويل يسمع كل يوم في المدينة بسبب كثرة الموتى...بعد هذا حلّت الحرب وحدثت المجاعة. تحملنا هذين الأمرين سويّا مع الوثنيين... لكننا فرحنا بسلام المسيح الذي وُهب لنا نحن وحدنا. كان أكثر الأخوة أسخياء جدًا في محبتهم الزائدة وعطفهم، فازدادت رابطتهم مع بعضهم البعض، فكانوا يفتقدون المرضى بغير تخوّف، ويخدمونهم بصفة مستمرة. يخدمونهم في المسيح. أما الوثنيون فكانوا ينفرون من المرضى ويطرحونهم في الشوارع بين أموات وأحياء!"و كان الاقباط يعطفون و يأزرون و يفتقدون المرضى بغير تخوف بل و كانوا يعولون الوثنيين الذين سبقوا و ذبحوهم و اضطهدوهم  * يستدل من هذا الخطاب على وطنيته و حرصة على المعايشة و التعايش مع الوثنيين و غيرهم برغم الضيقات و الامراض

رابعا : في نهاية كل اضطهاد كان البابا ديونيسيوس يواجه مشكلة المرتدّين. كان يضمهم، بل غالبًا ما كان يمنع إعادة معمودية حتى الهراطقة أو المنشقين الراجعين (مع أن الكنيسة فيما بعد لم تستقر على ذلك).

وفى كتاب "الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة" للأسقف الانبا إسيذورس قصة تظهر تخوّف البابا ديونيسيوس من إعادة المعمودية خاصة إن كان الشخص قد أعتاد على التناول من الأسرار الإلهية في الكنيسة الأرثوذكسية. فإنه بعد نياحة الأسقف إسطفانوس واجه البابا ديونيسيوس مشكلة وهي أن مؤمنًا من الإسكندرية جاءه يبكي بمرارة متوسلًا إليه أن يعيد معموديته، لأنه كان قد تعمّد بيد هراطقة منذ زمن طويل واعتاد التناول من الأسرار المقدسة في الكنيسة بعد توبته. لكنه كان قلقًا للغاية. أما القديس ديونيسيوس فلم يجسر أن يعمّده لأنه كان يشترك في التناول في الكنيسة. لكنه تحت ضغط القلق الشديد والبكاء المستمر كتب إلى أخيه سكستوس أسقف روما يطلب رأيه.

على أي الحالات يليق بنا أن ندرك بأن الكنيسة في الشرق والغرب استقرت على رأى القديس كبريانوس، أي اعتبار معمودية الهراطقة والمنشقين غير قائمة.

و من المواقف التى ذكرها قداسته فى رسالته الثانية الى فابيوس اسقف انطاكية و التى أثرت فيه بشكل جعله يقبل توبة العائدين الى الايمان بعد ان جحدوه " انه كان هناك شيخ اسمه سيرابيون، و كان مستقيما ، و لما اثيرت الاضطهادات ارتاع و تسفل و بخر للاصنام ،و بعد ان هدأت ثورة الاضطهاد بادر بإعلان توبته و ندم على ما فعل ندما مريرا و توسل الى اباء الكنيسة – و لم تكن قوانين التوبة قد ثبتت بعد – فلم يصغوا اليه حتى مرض و فقد النطق زمنا وعندما تمكن من النطق

طلب من حفيده ان يبادر الى الكنيسة و ياتى بكاهن ليمنحه الغفران و كان الوقت ليلا و عندما وصل الى الكاهن وجده مريضا و لم يستطيع الذهاب معه و كانت قد صدرت قوانين قبول التائبين ، فأعطى الكاهن الفتى القربان المقدس فى وعاء خاص و امره ان يضع هذا القربان فى فم جده مع قليل من الماء ، فلما وصل الى جده ناوله القربان المقدس و ألحقه بالماء و ما كاد الجد ان بلع القربان المقدس حتى قال كما قال زكريا الكاهن الان تطلق عبدك بسلام ففاضت روحه الى خالقها .

و يعلق البابا ديونيسيوس على هذا الموقف فيقول "أليس هذا دليلا قاطعا بان السيد المسيح قد حفظ حياة هذا الشخص كى ينال القربان المقدس فيشعر بالسلام الداخلى قبل انتقاله الى الفردوس" 

خامسا : مركز ديونيسيوس العظيم مع قدرته وعلمه واعتداله الممتاز جعل له هيبه و مكانة عظيمة  في أعين جميع الأساقفة المسيحين في العالم حتى أصبح موضع التماس في النزاعات و الانشقاقات خارج نطاق إيبارشيته ، معتبرا ان اكليل وحدة الكنيسة أفضل من اكليل الشهادة فكان يتدخل غالبًا في كل الصراعات الهامة التي ثارت في الكنيسة في أيامه. ففي الانقسام الخاص بنوفاتيوس الذي سيم على كرسي رومًا بطريقة غير شرعية، التجأت جميع الأطراف إليه، كما انشغل بهرطقة نيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، وسابليوس أسقف بتولمايس (المدن الخمس الغربية) وبولس السموسطائي.

سادسا : واجه البابا ديونيسيوس الكثير من الضيقات الشخصية فلم يكتفوا بنفيه مدة تعقارب الثلاث سنين و نصف فحسب بل انه واجه ايضا هزء القضاة  المدنيين و سخرية رجال الحكم و الجلد و استخفاف العامة كما صودرت أملاكه وواجه الجوع و الفقر ، فقابل هذه الشدائد بهدوء ووقار مما جعل شعبه يقتدى به لشعورهم بانه صورة حية للسيد المسيح  في احتمال الالام و الضيقات بمحبة و صبر و رضى.

 

يقظته تجاه البدع و الهرطقات :

أولاً : مواجهته لبدعة نيبوس أسقف أرسينو بالفيوم :

في رحلته الرعوية لمدن إيبارشيته التقي البابا بنيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، الذي استخدم سفر رؤيا يوحنا في تأكيد آرائه في الملكوت الألفي المادي بطريقة يهودية، فيه يأتي السيد المسيح على الأرض ليملك كأحد الملوك. في كتاب له يرفض فيه التفسير الرمزي لأوريجينوس A Refutation of the Allegorists.  دعا البابا مجمعًا محليًا في أرسينو وأوضح للأسقف وأتباعه كيف أن ملكوت الله روحي، وأن المؤمنين لا يترجون أي ملكوت زمني أو ملذات أرضية، وكان يتحدث معهم بروح الحب في وداعة وطول أناة لمدة ثلاثة أيام (20) حتى اقتنعوا بكلماته. وإذ عاد إلى الإسكندرية كتب البابا كتابين عن "المواعيد" جاء فيهما:

"إنه ليسعدني أن أصف ما رأيته من إخلاص أبنائي أهالي أرسينو ومحبتهم وذكائهم. فقد تبادلنا الآراء بصبرٍ وجلدٍ، ولم ندع صغيرة أو كبيرة إلا وبحثناها بحثًا مستفيضًا. ومما يسرني أن أبنائي حين وقفوا على ما هم فيه من خطأ أعلنوا ذلك جهارًا في غير حياء ولا تردد.وفى طليعة المعترفين بخطئهم كوراسيوس الكاهن الذي أقام المثل الحي الدال على إخلاصه للحق.كما يسرني ما بدا من أبنائي أهل أرسينو إذ نسبوا نقضي للبدعة الألفية إلى إخلاصي الأبوي".

وبعد تفسيره الإصحاح العشرين من سفر الرؤيا أشار إلى مواعيد الله لشعبه، ثم ذيل الرسالة بمدحه للأسقف نيبوس قائلًا: "إنني أحب نيبوس وأمتدحه، لأنه يسعى بكل جهده للوقوف على الحقيقة. وأمتدحه أيضًا للترانيم الروحية التي وضعها ليترنم بها الشعب في حفلاته. غير أن محبتي للحق تفوق محبتي لنيبوس، لذلك بادرت إلى دحض بدعته لإرشاده وإنارته".

ثانياً : مواجهته لبدعة سابيليوس :

سابيليوس كان أحد أساقفة بطلومايس بالخمس مدن الغربية. كان قد تربى في مدينة رومية، وتتلمذ لنوئيتوس الهرطوقي. وأخذ عنه تعاليمه التي تنحصر في أن الله أقنوم واحد أعطى الناموس لبني إسرائيل بصفته الآب، وصار إنسانًا في العهد الجديد بصفته الابن، وحلّ على الرسل في علّية صهيون بصفته الروح القدس. ومن اعتقاد نوئيتوس Noetus دُعي تابعوه "مؤلّمي الآب"، لأنه اعتبر ما حّل بالابن من آلام قد حّل على الآب.

يرى البعض أن سابيليوس شرح ما تُعلِّمه الكتب عن الآب والابن والروح القدس بنوع يختلف عن نوئيتوس، فاعتقد أن جزءً من الطبيعة الإلهية أُفرز من الله الآب وكوّن الابن بالاتحاد مع الإنسان يسوع المسيح، وأن جزءً آخر انفصل عنه فكوّن الروح القدس.

و كان أول من اعتنق بدعة نوئيتوس وسابيليوس زفيرينوس أسقف رومية وكاليستوس خليفته، وساعدا المبتدعين على نشر بدعتهما حتى انتشرت تلك الهرطقة وعمَّت أنحاء الغرب. غير أن كاليستوس سام أساقفة وقسوسًا وشمامسة من الذين تزوّجوا ثانية وثالثة، ثم أباح العماد لمغفرة الخطايا وادّعى بأن الأسقف لا يُقطَع من الكهنوت مهما ارتكب من الآثام. ولما لم يوافقه سابيليوس على ذلك حرمه.

فجاء إلى مصر سنة 257 م.، وأخذ ينشر فيها بدعة مؤلّمي الآب فجذب إليه كثيرين، ولما عرف البابا ديونيسيوس بهذا الامر قاوم هذا الضلال بشدة ، وأرسل منشورًا إلى الأسقفين أمونيوس وأفراندر ، وانتهى الأمر أخيرًا بحرم سابيليوس في مجمع عقد سنة 261 م.بعد أن فنّد تعاليمه الفاسدة.

فالتجأ أتباع سابيليوس  إلى الأسقف الروماني ديونيسيوس الذي كان شابًا قليل الخبرة، فعقد مجمعًا حرّم فيه بابا الإسكندرية وأرسل إليه يخبره بالحكم ويسأله إن لديه ما يدافع به عن نفسه.الامر الذى عده البطريرك المصرى جسارة من اسقف رومية و اهانة له غير انه لعظم تقواه  حيث لم يرضى ان يقابل الشر بالشر ، فبادر البابا السكندرى بحكمته بأن بعث برسالة أوضح فيها ما عسر عن فهم الأسقف الروماني، فاستراح الأخير إليها. وقضت الرسالة على ما يسميه المؤرخين "نزاع الديونيسيين"، وشعر الروماني بتسرعه فاحترم الإسكندري، ووقف بجانبه في دحض بدعة بولس السومسطائي أسقف إنطاكية. (22)

 

ثالثاً : مواجهتة لبدعة موت النفس و عودتها يوم القيامة:

ظهر في أيام هذا الأب قوم في بلاد العرب يقولون: أن النفس تموت مع الجسد، ثم تقوم معه في يوم القيامة، فجمع عليهم مجمعا وحرمهم. (23)  

 

رابعاً : مواجهته  بدعة بولس السيموساطى:

حيث كان أسقفا لأنطاكية و أساء ببدعته الى لاهوت السيد المسيح فقال عنه أنه إنسان بسيط فأنعقد لأجله مجمع أنطاكيا سنة 264 م و دعى الى هذا المجمع البابا ديونيسيوس الاسكندرى و لكنه لكبر سنة أرسل رسالة الى المجمع و  رسالة الى بولس السيموساطى نفسه أجاب فيها على عشرة أسئلة كان قد وجهها بولس السيموساطى لكل من يناقشة و قبل ان ينعقد المجمع كان البابا ديونيسيوس قد استراح في الرب

دوره المسكونى في حل النزاعات بين  الأساقفة المسكونيين :

أولاً : تدخله فى حل النزاع بين القديس كبريانوس و إسطفانوس :

كان القديس ديونيسيوس رجلًا كنسيًا هامًا، له عمله حتى خارج نطاق إيبارشيته. كمثال توسط في النزاع الحاد الذي قام بين كبريانوس أسقف قرطاجنة وإسطفانوس أسقف روما، وذلك بخصوص معمودية الهراطقة.

فبالنسبة لكبريانوس معمودية الهراطقة والمنشقين باطلة، لأنهم خارج الكنيسة، ولا خلاص خارج الكنيسة، فإنه لا يستطيع أحد أن يتخذ الله أبًا له إن لم تكن الكنيسة هي أمه. فالتائب، في الحقيقة، لا تُعاد معموديته، إنما يُحسب أنه يتقبل المعمودية للمرة الأولى، أما معموديته السابقة فهي باطلة كأن لم تكن.

أما إسطفانوس أسقف رومية فقد رأى أن كل معمودية تتم باسم الثالوث القدوس صحيحة حتى إن تمت بيد هراطقة، فلا تُعاد معمودية الراجعين إلى الكنيسة من الهراطقة إنما يُكتفي بوضع الأيدي والصلاة عليهم.

وقد ساعد على اشتعال النار ظهور بدعتين:

  1. بدعة نوفاسيتوس الأسقف الروماني الدخيل القائل بعدم قبول توبة جاحدي الإيمان ووجوب إعادة الذين تعمدوا بيد هراطقة بل وعماد الأرثوذكس الذين تساهلوا في قبول الهراطقة التائبين... وكان لذلك رد فعل عكسي في روما، الأمر الذي سبب وجود فريقين في روما فكتب كهنة روما إلى كبريانوس يسألونه فأجابهم: "إن المعمّدين بيد هراطقة هم وحدهم يجب إعادة معموديتهم، أما الذين قبلوا الإيمان من الكنيسة الأرثوذكسية فعمادهم صحيح. كما قال: "وأما مسألة جاحدي الإيمان التائبين فلا يخص كنيسة روما منفردة، إنما يلزم أن تحكم فيها الكنائس مجتمعه".
  2. بدعة فيلكينوس الذي علّم بالصفح عن الذين جحدوا الإيمان بمجرد شفاعة المعترفين عنهم، الأمر الذي أدى إلى رخاوة زائدة.

وفى عام 253 م. إذ سيم إسطفانوس أسقفًا على روما شدّد في منع إعادة معمودية الهراطقة وخاطب فرميليانوس أسقف قيصرية بذلك. وإذ لم يستجب الأخير لطلبه عقد مجمعًا عام 254 م. قطع فيه فرميليانوس ومن وافقه من أساقفة كيليكية وغلاطية.

لما هدد كبريانوس بالقطع لأنه كان متشددًا في ضرورة إعادة معمودية الهراطقة والمنشقين عقد كبريانوس مجمعًا عام 255 م. حكم بضرورة عماد الهراطقة ومن تعمد على أيديهم... وأرسل قرار المجمع لإسطفانوس، جاء فيه: "كل رئيس روحي حرّ في سياسة كنيسته، لأنه يقدم حسابًا عن أعماله للرب".

أما إسطفانوس فكتب إلى أعضاء المجمع يهددهم بالقطع إن لم يذعنوا لإرادته. كتب كبريانوس رسالة إلى بومبيوس أحد أساقفة أفريقيا ضد إسطفانوس، جاء فيها: "لا تجد مثل هذا القرار في الإنجيل أو في الرسائل أو في أعمال الرسل."

بعث أساقفة أفريقيا رسالة أخوية إلى الأسقف إسطفانوس يدعونه للاتحاد معهم، فلم يقابل حاملي الرسالة ولا سمح لهما بمأوى، وبعث إليهم رسالة يلقب فيها كبريانوس "الرسول الغاش والنبي الكذاب". فرد كبريانوس برسالة أخوية إلى أساقفة أفريقيا يقول فيها عن إسطفانوس "صديق الهراطقة وعدو المسيحيين"، كما قال: "إن هذا الأسقف الضال إسطفانوس دل برسالته على جهله وغباوته".

وقد رأى البعض مثل Wand أن ديونيسيوس قد شارك إسطفانوس رأيه لكنه لم يشاركه عنفه وحدته، فحاول التوسط بين الطرفين. إن كان قد قرر ألا يعيد معمودية الهراطقة والمنشقين لكنه لم يقطع علاقته بالكنائس التي تعيد المعمودية، حاسبًا أن الأمر يترك لكل كنيسة.

على أي الحالات يليق بنا أن ندرك بأن الكنيسة في الشرق والغرب استقرت على رأى القديس كبريانوس، أي اعتبار معمودية الهراطقة والمنشقين غير قائمة.

ثانيا  : تدخله فى حل النزاع بين االكاهن نوفاسيانوس و كرنيليوس :

و قد حدث على انتقال الاسقف الرومانى ان قام نزاع بين الكاهنين نوفاسيانوس و كرنيليوس على اعتلائه الكرسى الرومانى فقد زكى الاول ثلاثة من الاساقفة ووضعوا عليه اليد فى ظروف مشوبة بالريبة ، أما الثانى فقد زكاه الشعب و وضع بقية الاساقفة اليد عليه ، و لما كان البابا ديونيسيوس يحظى من الجميع شرقا و غربا بمنزلة ممتازة لذلك بعث اليه الفريقين بقضيتهما ، فرد على كليهما أما رده على نوفاسيانوس فقد قال فيه :"من ديونيسيوس الى اخيه نوفاسيانوس سلام فى الرب ، و بعد، فان كنت قد اضطررت الى تولى الاسقفية على غير ارادتك ، فأثبت هذه الحقيقة بالتخلى عن الكرسي مباشرة ، اذ من الخير للانسان ان صنوف الالام فى سبيل الاحتفاظ بوحدة الكنيسة و يتحاشى احداث صدع فى صفوفها،، و لو انك تخليت عن الكرسي و احتفظت بالسلام ، لسما قدرك بين الناس و سينسون ما وقعت فيه من خطأ و لا يتذكرون الا تضحيتك"

و لكنه للاسف لم ينصاع لنصيحة البابا لانه كان راغبا فى الرياسة فانعقد فى رومية مجمع و قطعه من الكنيسة الرومانية و يؤكد المؤرخون الكنسيون انه لولا تدخل البابا ديونيسيوس الاسكندرى و قبريانوس اسقف قرطاجنة لاصاب الكنيسة شر مستطير 

مؤلفاته:

كتب الكثير، لكن للأسف لم يبقَ إلا شذرات حُفظت خلال كتابات يوسابيوس القيصرى والبابا أثناسيوس الرسولى وغيرهما. وكما يقول Neale  : "فقدان كتابات ديونيسيوس هي إحدى الخسائر العظمى التي لحقت بالتاريخ الكنسي".

يتجه في كتاباته إلى الجانب العملي مع أسئلة خاصة بالتعاليم. رسائله تظهر أنه قام بدور إيجابي في المناقشات العقيدية في عصره.

  1. عن الطبيعة : يكشف هذا العمل عن معرفته بالفلسفة اليونانية و اقتداه في الكتابة ، فشهد بطريقة مقنعة عن نظام الكون و عناية الله ، و رد على الفكر المادى الابيقورى ، و شرح عقيدة المسيحين في الخلق.
  2. عن المواعيد : حيث تكلم فيه عن الحياة الأبدية
  3. تفنيد ودفاع : جاء هذا العمل في أربعة كتب موجهة الى أسقف رومانى يدعى ديونيسيوس ، يوضح له فيها التعليم المستقيم عن الثالوث القدوس شارحا له عقيدة التثليث و التوحيد.
  4. رسائله : كتب رسائل كثيرة فصحية الى جميع الكنائس يحدد فيها يوم الاحتفال بعيد القيامة و أخرى رعوية و أخرى للرد على المطاعن الموجهة ضد العقيدة . 
  5. وضع أربعة قوانين كنسية : 
    • القانون الأول: يتوقف موعد كسر الصيام الفصحى على حضرة الساعة التي بها المخلص بالتدقيق و هذا ما لا يستطيع تعيينه مما ورد بالأناجيل الأربعة و لذلك فالذين لم يصوموا أيام الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس ليس بالأمر الكثير عليهم ان يصوموا الجمعة و السبت من الأسبوع فلا يلامون إذا بكروا في كسر الصيام حالا بعد منتصف الليل.

و هذا يعنى ان فطر الصوم الكبير لابد و ان يكون يوم الاحد أي بعد الساعة الثانية عشر حتى يكون يوم القيامة نفسه فمن الخطأ ان يفطر أحد في عشية هذا اليوم ظنا منه أن الصوم بهذا يكون قد أنتهى و لكن القانون يؤكد ضرورة الفطر ليلة القيامة اى فجر الاحد و ان لم يكن فلا يقل أن يكون في يوم الاحد اى بعد الساعة الثانية عشر ليلا من يوم سبت الفرح.

  • القانون الثانى :لا يجوز للنساء في حيضهن ان يتقدمن الى المائدة المقدسة و يتناولن جسد المسيح المقدس و دمه الكريم بل لا يجوز ان يدخلن الكنيسة أما واجب تقديم الصلوات فيقمن به في مكان آخر

و القانون يتخذ من المرأة نازفة الدم مثالا لهذا القانون بأنها لم تمس تارب بل هدب ثوبه ( مت 9: 20،21 )فهكذا للمرأة أن تصلى و لكن ليس في بيت الرب أمر أن يتقدمن للتناول من الأسرار المقدسة في هذه المرة.

  • القانون الثالث : أن الذين يستطيعون ان يحتملوا و قد بلغوا السن الذى لا يمكنهم من ان يتحكموا بأنفسهم فقد سمعوا ما قاله القديس بولس " لا يمنع أحد الزوجين الآخر عن ذاته إلا عن موافقة الى حين لكى يتفرغا للصلاة ثم يعودان الى ما كانا عليه لئلا يجربهما الشيطان لعدم عفتهما " ( 1 كو 7 :5 ) إن قوانين الكنيسة توضح ان الزوجين مقدس و المضجع غير نجس ( عب 13:4 ) أما الامتناع عن المعاشرات الزوجية فلا يأتي مطلقا بمعنى ان فيه خطية و لا يكون بقهر من طرف تجاه الآخر بل يكون بإتفاق و هذا هو الشرط الأول ان يكون بغرض التفرغ للصوم و الصلاة و هذا هو الشرط الثانى
  • القانون الرابع : إن الذين يمنون ليلا و هم نيام دون إرادتهم فليكن ضميرهم القاضى في السماح او عدم السماح لانفسهم بالشركة على مثال ما قاله بولس الرسول في شأن الطعام "وَأَمَّا الَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ"و القانون هنا نظر الى عنصر الإرادة فإذا كان هذا الامر بغير إرادة فمعرفة الانسان لاعماق نفسه هي الحكم في الامر فان كان حكمه ان الشيطان يحاربةحتى لا يتقدم للاسرار فليتقدم و بمشورة ابيه الروحى ، و اما اذا كان داخله غير مطهر فليمتنع

و هذه القوانين الأربعة أرسلها القديس ديونسيوس الى القديس باسيليوس

____________________________________________________________________________

نياحته:

قبل انعقاد مجمع انطاكية لمحاكمة المبتدع بولس السيموساطى ، و بعد أن ارسل برسالة كلها حكمة الى المجمع و للمبتدع نفسه ، بين فيها فساد رأى هذا المبتدع، وأظهر صحة المعتقد القويم. وأكمل سعيه الصالح، وتنيَّح بشيخوخة صالحة

 

وهناك رأيين في تاريخ انتقاله:

 الأول : انه تنيح في ( 13 برمهات الموافق 8 مارس سنة 264 م.)، بعد أن أقام على الكرسي الرسولي 17 سنة وشهرين وعشرة أيام بحسب السنكسار القبطى

و قد ارتقى الي الكرسى الباباوى البابا مكسيموس البابا ال 15 فى 13 هاتور سنة 264 م ، حيث خلت السدة المرقسية مدة 8 اشهر بعد انتقال البابا ديونيسيوس

و الثانى : انه تنيح في 3 توت لسنة 265 ميلادية بحسب المؤرخ يوسابيوس القيصرى :

مات ديونيسيوس فى السنة الثانية عشرة من حكم جالينوس - الذى حكم سنة 253 م مع والده -   بعد أن لبث أسقفاً 17 سنة وخلفه  البابا مكسيموس  " 

وأيضا أيده الانبا يوساب أسقف فوة في كتاب تاريخ البطاركة حيث انه ذكر انتقاله فى 3 توت لسنة 264 م .

 

إلى هنا أعاننى المسيح .

بركة صلاته تكون معنا، آمين.

اغنسطس اكليريكى / مينا ثروت قلادة

 

 

المراجـــــــــــــــــــــــــع

  • السنكسار القبطى في يوم 13 برمهات 
  • أباء مدرسة الاسكندرية الاولون - لقدس أبونا تادرس يعقوب ملطي
  • قصة الكنيسة القبطية - الكتاب الاول  -للدكتورة ايريس حبيب المصرى
  • تاريخ البطاركة في الكنيسة القبطية – لقدس أبونا تادرس يعقوب ملطي
  • القديس ديونيسيوس الاسكندرى - لقدس أبونا أنطونيوس فهمى جورج
  • تاريخ الكنيسة القبطية - لقدس أبونا منسى يوحنا
  • تاريخ البطاركة - للقديس الانبا يوساب اسقف فوة  - اعداد دياكون ميخائيل مكسى اسكندر
  • من كتاب تاريخ البطاركة - الجزء الثالث - لنيافة الانبا متاؤس رئيس دير السريان
  • تاريخ الكنيسة للمؤرخ الكنسى يوسابيوس القيصرى ( ك 7 ف 28 : 3) 
  • مواقع إليكترونية تم الاستعانة بها:

    • موقع الأنبا تكلا هيمانوت الحبشي القس: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الاليكترونى

https://st-takla.org/Saints/Coptic-Orthodox-Saints-Biography/Coptic-Saints-Story_1039.html