وكل هؤلاء الزملاء الذين درسوا في مدرسة لوكيانوس صاروا يلقبون بأسم “اللوكيانيين” أو “الاتحاد اللوكيانى”. وهذا لا يمنع أن آريوس درس أيضًا في مدرسة الأسكندرية اللاهوتية قبل دراسته بأنطاكية.
ويمكن أن يقال إن آريوس جمع في تعليمه بين إتجاهين مختلفين لمدرستى أنطاكية والأسكندرية. وفيما بعد أخذ المنتمون لمدرسة أنطاكية يهاجمونه ويتهمونه بأنه أسكندرى، في حين أن المنتمين إلى مدرسة الأسكندرية كانوا يحاربونه متهمينه بأنه أنطاكى.
و كانت مدرسة انطاكيا اكثر مدارس الدين عقلانية منذ العصور الأولى حيث درسوا الدين كفلسفة يندرج تحتها كل التعليم اللاهوتى كمواضيع نقاش و تحليل حيث الرجوع فيها دائما الى المز و السرية على غرار فلسفة الاغريق و الغنوسية و غير ملتزمة بتقليد موروث للايمان او لشرح الكتاب المقدس بل كانت تحت إدارة فلاسفة احرار ، و لهذا أخرجت العديد من الهراطقة في ذلك العصر مثل اريوس و نسطور و غيرهم . بينما مدرسة الإسكندرية اللاهوتية الفريدة التي كانت تحت إدارة البطاركة مباشرة و كانت هي المنبع الوحيد للتعليم في الكنيسة بالنسبة للمؤمنين و الداخلين في الايمان ز كانت هي خزانة التقليد الرسولى و أداة الحفاظ على التعليم الصحيح
بدأ أريوس يعلِّم هرطقته وهو بعد شماس في عهد البابا بطرس خاتم الشهداء البابا السابع عشر من عداد بطاركة الإسكندرية. وقد حاول البابا بطرس إرجاع أريوس عن معتقده الخاطئ، ولما لم يقبل حرمه البابا وحرم تعاليمه الخاطئة، وبالتالي مُنع من ممارسة الشماسية والتعليم.
كان البابا بطرس قد رأى رؤية في أثناء سجنه وإذ السيد المسيح واقف بثوب ممزق فقال له: "من الذي مزّق ثوبك يا سيدي"، قال "أريوس". ففهم البابا بطرس أنه، بناء على إعلان سماوي، حتى لو تظاهر أريوس بالتوبة سوف يكون مخادعًا، وأنه سوف يشق الكنيسة.
فاستدعى تلميذيه أرشلاوس (أو أخيلاس) وألكسندروس وحذّرهما من أريوس ومن محاللته مهما تظاهر بالتوبة. وبعد أن نال البابا بطرس إكليل الشهادة وتولى تلميذه أرشلاوس الكرسي حاول أريوس أن يتظاهر بالرجوع عن معتقده الخاطئ بأسلوب ملتوي فخالت على البابا أرشيلاوس حيلة أريوس فحاللـه ورقاه إلى درجة القسّيسية بعد أن كان شماسًا مكرسًا، بعد أن كان محرومًا بواسطة البابا بطرس خاتم الشهداء. مما جعل أحد الآباء في كنيستنا يقول أنه من مراحم الله أن أرشلاوس لم يدم على الكرسي سوى ستة أشهر فقط وإلا انتشرت الأريوسية.
وبنياحة البابا أرشلاوس تبوأ زميله البابا ألكسندروس الكرسي السكندري فصار البطريرك التاسع عشر في عداد بطاركة الكرازة المرقسية. والبابا ألسكندروس هو الذي بدأ باستخدام عبارة , للتعبير عن مساواة الابن للآب في الجوهر، وهي العبارة التي دافع القديس أثناسيوس الرسولي طوال حياته عنها وكتبها في قانون الإيمان.
إستوطن آريوس في الأسكندرية بعد رسامته كاهنا . وأظهر في أول حياته ميولاً متعصبة متمردة لأنه قبل رسامته وبعدها كان منضمًا للأسقف المنشق ميليتوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط).
ولهذا السبب جرد من رتبته الكهنوتية، إلا أنه فيما بعد أعيد مرة أخرى إلى رتبته على يد الأسقف أخيلاس خليفة الأسقف بطرس. وما لبث أن عمل على تأييد إنتخاب الكسندروس أسقفًا للأسكندرية خلفًا لأخيلاس. وإن كان آريوس نفسه قد أستطاع بتأثير ثقافته وصفاته الشخصية أن يصير ذو شأن كبير في المدينة.
إلاّ أنه بعد بضعة سنوات (حوالي عام 318م) اصطدم مع الكسندروس بسبب الإختلاف حول تفسير نص في الكتاب المقدس خاص بشخص ابن الله. وكان الكسندروس قد أعطاه ـ كما أعتاد الأسقف أن يفعل مع الكهنة ـ موضوعًا ليبحثه. وفى الشرح الذي قدمه آريوس حاول أن يعبر عن ابن الله بمفاهيم مخالفة للإيمان المستقيم.
رأى الكسندروس في تقرير آريوس محاولة للتقليل من شأن ابن الله وتحقيره… وأثبتت الاتصالات بين الرجلين على أن آريوس أصر على رأيه وأعتبر أفكار الكسندروس أنها سابيلية. وبالرغم من هذا فإن الأسقف لم يتعجل في اتخاذ أى إجراء ضد كاهنه. إلا أنه فيما بعد أضطر الأسقف أن يتخذ قرارًا من مجمع حضره مائة اسقف من مصر و المدن الغربية بليبيا و قسوس الكنيسة، أدان فيه آريوس بسبب بدعته وقطعه من شركة الكنيسة.
و لكن سرعان ما استنجد اريوس بصدسقه يوسابيوس اسقف نيقوميديا يتملقه و يطلب منه التدخل لحل هذه الازمة ، و لما كان يوسابيوس هذا يتصف بالمكر و الدهاء و الضمير الغير صالح بالإضافة الى قدرته على تملق الاملوك و الامراء لحبه السطوة و النفوذ.
رحل آريوس إلى فلسطين ثم اتجه إلى سوريا باسيًا الصغرى. وتمكن من أن يجمع حوله عدد من الأساقفة وافقوه على آرائه، وكان من بين هؤلاء “يوسابيوس أسقف نيقوميديا” اللوكيانى، و”أوسابيوس أسقف قيصرية” الأوريجانى. وأن الأساقفة الذين تجمعوا حوله قد أيدوه وبرأوه في مجمع عقدوه. وطالبوا بأن يعود مرة أخرى إلى الكنيسة.. وسرعان من كتب آريوس أقرارًا وافقوا عليه في مجمع عقدوه في نيقوميديا، وأرسله كرسالة إلى أسقف الأسكندرية الذي رفضه. ودعا بالطبع إلى مجمع بالأسكندرية سنة 318م اعتمد إدانة آريوس.
وبعد ذلك بقليل، بسبب الاضطرابات التي نشأت نتيجة للمصادمات التي وقعت بين قسطنطين الكبير وليكينيوس، تمكن آريوس من العودة مرة أخرى إلى الأسكندرية. حيث أخذ بعمل بحماس شديد وبأساليب مبتكرة لأجل ترويج أرائه ونشرها بين الجماهير عن طريق الأحاديث والأشعار… وقد ساعد على نشر آريوسيته ما كان يظهر به آريوس من مظاهر الورع والتقوى إلى جانب ما يتصف به من الكبرياء والتباهي وحبه للنضال.. وكان يجرى مباحثاته اللاهوتية مع الشعب. فأنتهز الوثنيون تلك الفرصة وأخذوا يسخرون من المسيحية في مسارحهم بسبب تلك المناقشات.
وهكذا أثار هذا الموقف قلق قادة الكنيسة. كما أزعج الإمبراطور أيضًا، الذي رأى أن هذه المشاكل ستكون خطرًا على السلام الذي حققه بجهود مضنية وكفاح مرير ولكنه لم يتوقع أن تكون خطرًا على السلام على المدى البعيد. لذلك فهو إذ رأى أن هذه المعركة تبدو أمرًا تافهًا لا يستحق أن يصدر له نطقًا ساميًا، فاكتفى بأن أرسل “هوسيوس” أسقف قرطبة بأسبانيا إلى الأسكندرية بخطاب إلى رؤساء الأطراف المتنازعة. ولكن هذه المحاولة لم تأت بأية نتيجة. عندئذ دعا الإمبراطور إلى مجمع عام يعقد في نيقية عام 325 والذي اشتهر باسم، “المجمع المسكوني الأول"
وقد أدان هذا المجمع تعاليم آريوس وحرم أسقف نيقوميدية مع ثلاثة أساقفة آخرين لتأييدهم لتعاليم آريوس. أما آريوس فإنه في البدء أُرسل إلى نيقوميديا مكبلاً بالقيود، ثم نفى بعد ذلك إلى الليريا… ألا أنه على الرغم من هذه التدابير فإن هذه المحاولة للتهدئة لم تنجح، لأن أصدقاء آريوس استمروا في نشر مبادئه وتعاليمه.
ولذا إقتنع قسطنطين بواسطة العناصر المهادنة للآريوسية والمحبة لها، وتأثر بهم. مما جعله يستدعى آريوس من منفاه عام 327. وبعد تحريض من أسقف نيقوميديا عرضوا صيغة اعتراف إيمان على الإمبراطور أخفوا عنه فيها حقيقة عقيدة آريوس، وكانت كنيسة نيقوميديا قد وافقت على هذه الصيغة في المجمع الذي عقد بها. إلا أن الأرثوذكسيين لم يجبروا على منح آريوس العفو. حتى أن الكسندروس أسقف الأسكندرية وأثناسيوس الذي خلفه لم يقبلاه في الأسكندرية.
ولم يرغب قسطنطين حينئذ أن يؤزم المسائل أكثر بأن يفرض على أسقف الأسكندرية ـأن يقبل آريوس. بل أنه في الواقع عندما طلب أنصار آريوس من الإمبراطور ـ برسالة محررة بلهجة شديدة ـ أن يتدخل لأجل تأمين عودة آريوس إلى الأسكندرية، غضب قسطنطين وأعاد أدانتهم بمرسوم آخر أسماهم فيه “بالبورفوريين” أى أنهم مشايعون لتعليم “بورفيريوس”
وبعد وساطات متعددة غيروا مرة أخرى من مشاعر قسطنطين ورحل آريوس إلى القسطنطينية حيث أعترف بالإيمان الأرثوذكسي أمام الإمبراطور وتمسك بأن يصير مقبولاً بطريقة رسمية على نطاق أوسع بالكنيسة. إلا أن الأمر بتحديد موعد بقبوله في كنيسة القسطنطينية قد تلاشى نهائيًا، إذ أن آريوس سقط ومات في مرحاض عام فجأة ليلة الموعد المحدد لقبوله .
مؤلفـــاته:
استحوذ آريوس على مركز هام في التاريخ الكنسي، لكنه لم يترك أثارًا كثيرة. فقد كتب أعمالاً قليلة نسبيًا وصلنا منها النذر اليسير. وهذه الكتابات التي وصلتنا عبارة عن رسائل خارجية. إلا أنها في واقع الأمر تحوى إعترافاته وهى:
(أ) رسالة إلى أسقف نيقوميدية:
وقد حفظها لنا إبيفانيوس في كتابه “باناريون”. وكذلك ثيئودوريتس في كتابه “التاريخ الكنسى”. وفى هذه الرسالة يحتج على تحامل الكسندروس ضده وضد أتباعه ويعرض آراءه وتعاليمه في صراحة تامة. ويقول أن الابن إله لكنه “ليس غير مولود Agenntos” “ ولا جزء من غير المولود” وفى النهاية يستنجد باوسابيوس أسقف نيقوميديا مسميا إياه أنه من “الاتحاد اللوكيانى”.
(ب) رسالة إلى الكسندروس أسقف الأسكندرية:
حفظت هذه الرسالة في أعمال “أثناسيوس عن المجامع”. وفى كتاب “باناريون” لابيفانيوس. كما حفظت باللغة اللاتينية في كتاب “الثالوث لايلارى”. وهى الاعتراف الإجمالي إلى كان قد قدمه لمجمع نيقوميديا الأول والذي عقده الآريوسيون المنفيون. وفى هذه الرسالة تحاشى التعبيرات المثيرة وأعتبر أن “الابن قد ولد قبل كل الدهور”. إلا أنه لم يكن موجودًا من قبل أن يولد.
(ج) إعتراف الإيمان:
حفظت هذه الرسالة في التاريخ الكنسي لسقراط والتاريخ الكنسي لسوزومينوس. وفى هذه الرسالة حجب عقيدته الحقيقية وقال بأن الابن قد ولد قبل كل الدهور (لأنه لو كتبت كلمة gegennimenos المولود” بحذف حرف n منها أى gegenimenos لتغير معناها وأصبحت تعنى المخلوق وليس المولود.
(د) ”ثاليــا”:
حفظ أثناسيوس في كتاباته بعض نصوص هذا الكتاب. وكلمة “ثاليا” معناها مأدبة أدبية. وقد دبجها كلها تقريبًا بأبيات منظومة وبلحن نسائي. وفى افتتاحيتها نجده يظهر نفسه أنه مملوء بالعقيدة والعواطف الشجية عندما يتعرض للحديث عن الله..
فكر اريوس الهرطوقى
- أنكر أريوس ألوهية السيد المسيح متأثرًا ببعض الفلسفات اليونانية القديمة مثل الأفلاطونية فاعتبر أن اللوغوس إله، ولكنه إله مخلوق وليس من جوهر الآب. وإنه كائن وسيط بين الله الإله الحقيقي (الآب) وبين العالم المخلوق لأنه لا يليق أن يتصل الله بالخليقة، وأنه أسمى من أن تكون له علاقة مباشرة بالخليقة. فكيف يخلق الله العالم أو المادة وهو منزه عن هذا؟ لذلك استخدم اللوغوس –وهو كائن أقل وأدنى من الله- كأداة لخلق العالم. وبهذا فلسف عبارة "كل شيء به كان" (يو1: 3). وقال أن هذا الكائن الوسيط والأدنى لا يمكن أن يكون مساو لله في الجوهر والأزلية.
- كما فلسف أريوس عبارة "الذي هو قبل كل شيء" (كو1: 17) فقال أن عبارة "كل شيء" لا تشمل اللوغوس ولكن المقصود بها كل الأشياء الأخرى، لأن الزمن في اعتقاده بدأ مع الخليقة.
- استخدم أريوس تفسيرات خاطئة لكثير من آيات الكتاب المقدس التي وردت أغلبها لكي تشير إلى حقيقة إنسانية السيد المسيح وعمله الفدائي لخلاص البشرية. وقد أراد السيد المسيح في بعضها أن يثبت أنه لا يعمل مستقلًا عن الآب.
- وقول السيد المسيح عن نفسه "الحي وكنت ميتًا" (رؤ1: 18)،
- استخدم أريوس الآيات التي تشير إلى إنسانية السيد المسيح وطبقها على ألوهيته، هنا تكمن الخطورة! وبنفس الطريقة استخدم أريوس آية "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السموات إلا أبى وحده" (مت24: 36) وغيرها، وطبقها على لاهوت السيد المسيح.
المراجع :
1 - موقع القديس تكلا هيمانوت الحبشى الاليكترونى للكنيسة القبطية الارثوذكسية
2 - كتاب حقبة مضيئة في تاريخ مصر - القديس اثناسيوس الرسولى البابا العشرون
3 - المجامع المسكونية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – لنيافة الأنبا بيشوي
4 – الكنيسة تواجه الهراطقة للأستاذ أمير نصر
الى هنا اعاننى المسيح
اذكرونى فى صلواتكم
اعنسطس اكليريكى / مينا ثروت قلادة