نشأة مدرسة الاسكندرية
إمتدادا لأهمية مدينة الاسكندرية بين بلدان العالم ، سرعان ما انتقلت الفلسفة الى مدرسة الاسكندرية المصرية التى بناها الاسكندر المقدونى ابان العصى الهلينى و كانت معروفة بمكتباتها العامرة بالكتب النفيسة فى مختلف العلوم و الفنون و الاداب و من اشهر علماء هذه المدرسة اقليديس و ارشيميدس و ايراتوستين ،غيرهم.
و قد انتعشت هذه المدرسة فى القرون الميلادية الاولى و امتزجت بالحضارة الشرقية ،وامتداد الفكر الدينى و الوثنى ،وانتشار النزعات الصوفية.
وتميزت هذه المدرسة بالاتى:
• التوفيق بين اراء افلاطون المثالية و ارسطو المادية
• ظهور فكرة التخصص المعرفى اى بدء الانفصال ببين العلم و الفلسفة
• انتشار المبادئ الصوفية و العرفانية الممتزجة بالطابع الروحانى الشرقى.
المسيحية و الطابع اللاهوتى الفلسفى :
اللاهوت يبدأ من النقل من الكتب المقدسة اما الفلسفة تاخذ مقدماتها من العقل .
الاتجاه الاول : يقتصر على العقل و يرفض الايمان
الاتجاه الثانى : يوجب الاقتصار على الايمان فقط لان العقل يضلل و ادلتهم فى :
• العقل عاجز عن ادراك الحقيقة
• العقل يقدم منهج احتمالى و ليس يقينى
• العقل معيار الاختلاف بين الفلاسفة
• القدرات العقلية متفاوتة بين البشر
الاتجاه الثالث : يرى اصحاب هذا الفريق ان العقل له ميدانه و الايمان له ميدانه و هما مكملان لبعض و غير متعارضين
مدرسة الاسكندرية و الكرازة المرقسية
كانت كلمة الرب تنمو بقوة يومًا بعد يوم. لذلك مارمرقس الرسول اراد ان تكون الاسكندرية مركزا للاشعاع اللاهوتى ومصدرًا للنور والمعرفة التى تقوم بتدعيم المبادئ والتعاليم المسيحية، وتقف في وجه مدرسة الإسكندرية الوثنية وتدحض آرائها، فركز اهتمامه في بادئ الأمر أن يجعل الدراسة فيها قاصرة على دراسة الكتاب والعلوم اللاهوتية فقط ليضمن توقف تيار الفلسفة الوثنية. واستعان لذلك بأساتذة جبابرة من أولاده الفلاسفة المصريين المسيحين. فأسند إدارتها للعلامة يسطس. ثم ادخل بعض العلوم بجانب علوم الكنيسة كالطب والهندسة والفلسفة والمنطق والموسيقى وغيرها، وفازدهرت ليس مدينة الإسكندرية فحسب بل وشعوب الشرق والغرب.
وجذبت هذه الشبكة الروحانية نفوسًا كثيرة للمسيح على مختلف الأجناس وتزعزعت أركان الوثنية وصارت مدرسة الاسكندرية اللاهوتية تسمى مدرسة (الكاتشيس) اى تعليم قواعد الايمان بالسؤال و الجواب.
تحديات مدرسة الاسكندرية اللاهوتية:
قد لاقت المسيحية العديد من الصعاب بسبب ان الشعب كان يكره دين اليهود الذى هو اساس المسيحية وكان علماء الموزيوم التى كانت فى ايديهم ادارة الشعب اقل استعدادا لقبول تعاليم مصدرها كمصدر الدين المسيحى.
كان لانتشارالغنوسية بأشكالها التى كانت تشكل خطرا على الايمان المسيحى ،وبخاصة تلك التى حملت اسم المسيحية لكنها فى جوهرها تحمل فكرا يهوديا ، واخرى هاجمت العهد القديم مثل مرقيون واخرون إباحيون مثل النيقولاويين وغيرهم، حيث انها اشتركت جميعها فى ثنائية بين الله والمادة.
لهذا كان الصراع ضدها يمثل مسئولية ضخمة تلتزم بها اول جامعة مسيحية الديدسقاليون او المدرسة التعليمية من اقوال اكليمندس عن الغنوسية الحقيقية" : لا ايمان بغير معرفة و لا معرفة بغير ايمان " او " ان لم تؤمن لن تفهم ، فالايمان و المعرفة اى الغنوسية هما كيان واحد ، هما الحق الالهى الخلاصى ، المعلن فى الاسفار المقدسة و المسلم بأمانة بواسطة الكنيسة ، و ان اختلفا فى الشكل فقط ".
واعتنى علماء هذه المدرسة بان يعرضوا الدين المسيحى على الناس عرضا تعمقوا فى البحث عنه و ذلك ما اسماه ( اكليمندس الاسكندرى ) الغنوسية الحقيقية المضادة للغنوسية الهرطوقية التى انتحلت هذا الاسم زورا . و بعد ان عرضوا الايمان المسيحى اتجهوا لتفسير التوراة وألفوا نبذات خصوصية فى قواعد الاعتقاد و القانون الوجيز والمكمل المنسوب للقديس اثناسيوس و كل الهرطقات المشهورة و لا سيما هرطقات الالفين و سابيليوس و اريوس و نسطورس و اوطيخا صادفت مقاومين اشداء فى مدرسة الاسكندرية.
مدرسة الاسكندرية اللاهوتية و التفسير الرمزى :
كان منهجها يقوم على اساس موسوعى شامل. وكانت مدرسة الاسكندرية اشهر معهد عقلى فى العالم المسيحى الاول ، و كان اهتمامها منصبا على دراسة الكتاب المقدس و قد ارتبط اسمها بالتفسير الكتابى حيث كان شغل هذه المدرسة التفسيرية الاول هو اكتشاف المعنى الروحى فى كل موضوع وراء السطور فى الكتاب .
وارتبط التفسير الرمزى بمعهد فيلون الاسكندرى اليهودى مع ان اول يهودى يمثل التفسير الرمزى هو ارسطوبولس الاسكندرى .
ثم تبنى المفكرون المسيحيون بالاسكندرية هذا المنهج التفسيرى مثل القديس اكليمندس الاسكندرى و تبعه تلميذه اوريجانوس الذى وضع نظامه و قواعده و نشره فى الشرق و الغرب ، و يلاحظ ان اباء المدرسة المسيحيون كانوا اكثر دقة و افرازا من فيلون .
ختام البحث :
ظلت زاهرة بالعلوم ويفد اليها طلاب من كل المسكونة حتى قام رودن اخر رئيس تولاها ونقلها من مكانها الى بلدة سيد فى اقليم بامفيليا بدون سبب لذلك، فاضر بهذا النقل ضررا عظيما و تناقص عدد طلابها ، و لما حدث الشقاق المحزن الذى سببه مجمع خلقيدونية فى اواسط القرن الخامس اندكت معالم هذه المدرسة .
ليس من قبيل المغالاة ان نختتم موضوعنا بالقول ان تأثير فلاسفة مدرسة الاسكندرية قد فاق بكثير تأثير فلسفة افلاطون و ارسطو على فلسفة العصور الوسطى ، و ليس ادل على ذلك من ان تأثير الاخيرين لم يفعل مافعله الا عبر نصوص الفلسفات الاسكندرانية.
إلى هنا أعاننى السيد المسيح له المجد.
المراجع :
1 نيافة الانبا موسى ، مدرسة الاسكندرية ، دار فيلو باترون للترجمة و النشر ، طبعة ثانية ، القاهرة ، 1996
2 دكتورة عايدة نصيف ، مختارات فلسفية ، مكتبة الانجلو ،طبعة ثالثة ، 2018
3 القمص بيشوى كامل ، مارمرقس ، مطبعة الكرنك ، الاسكندرية ، طبعة اولى ، 1978
4 القس منسى يوحنا ،تاريخ الكنيسة القبطية ،مكتبة المحبة ، 1983
5 القمص تادرس يعقوب ملطى ، اباء مدرسة الاسكندرية الاولون ، كنيسة مارجرجس سبورتنج ، الاسكندرية ، الطبعة الثالثة ، 2017
6 د.مصطفى النشار ، مدرسة الاسكندرية الفلسفية بين التراث الشرقى والفلسفة اليونانية ، دار المعارف ، الطبعةالاولى ،القاهرة ، 1995