مقدمات عن أسرار الكنيسة السبعة

الاسرار هي أعمال مقدسة ومِنَح إلهية، بها ننال نِعَمًا غير منظورة تحت مادة منظورة.

تؤمن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بسبعة أسرار لازمة تمامًا للكنيسة العامة، أربعة منها لازمين لجميع المؤمنين للخلاص و هى  (المعمودية – الميرون – التناول – التوبة والاعتراف). و ثلاث هم ( الزيجة و الكهنوت و مسحة المرضى  ) قد لا ينالهم الجميع، فبدونهم لن ينتقص الفرد كمالا ، و لكنهم ضروريين و لا غنى عنهم بشكل عام. فالكهنوت و ان كان سر لا يناله الجميع و لكن لا غنى عنه لان بدونه لن تقام بقية الاسرار ، و كذلك الزيجة لا يناله الجميع و لكنه ضرورى لحفظ النسل و الذرية للكنيسة. و مسحة المرضى و ان كانت تقدم للعامة فى يوم جمعة ختام الصوم و فى الخاص للمرضى إلا انه اذا كان الانسان صحيحا او انتقل قبل ان يناله لن ينتقص من كماله او خلاصه شيئا.

أولا : مفهوم السر المقدس:

أ )  معنى كلمة "سر" في الكتاب المقدس:

1- وردت بمعنى (أمر خفي) " فَجَعَلَهُ دَاوُدُ مِنْ أَصْحَابِ سِرِّهِ." ،(2 صم 23: 23)؛ و "فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا." (مت 1: 19).و راجع ايضا يو28:11 و  أع37:16).

2- وردت بمعنى "التدبير الإلهي" (الفوقاني) "وَلِلْقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُمْ، حَسَبَ إِنْجِيلِي وَالْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،" (رو 16: 25). ؛ "إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ،" (أف 1: 9). ؛"وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ." (أف 3: 9). ؛و راجع ايضا : 1تي16:3).

3- وردت بمعنى (رمز نبوي او اشارة او علامة) "حِينَئِذٍ لِدَانِيآلَ كُشِفَ السِّرُّ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ. فَبَارَكَ دَانِيآلُ إِلهَ السَّمَاوَاتِ.... يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً، وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْمًا." (دا 2: 19 - 21). و "فَأَجَابَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ إِلهَكُمْ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الْمُلُوكِ وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ، إِذِ اسْتَطَعْتَ عَلَى كَشْفِ هذَا السِّرِّ»." (دا 2: 47).؛ فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا. سِرَّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ" (رؤ 1: 19 - 20).

4- وردت بمعنى (أسرار الملكوت) "فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ." (مت 13: 11). و "فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ،" (مر 4: 11). و "فَقَالَ: «لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ، وَأَمَّا لِلْبَاقِينَ فَبِأَمْثَال، حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَفْهَمُونَ."  (لو10:8).

5- كما وردت بمعنى "أسرار النبوات" و"أسرار الروح" و"سر الرب" و"سر الإنجيل" و"سر الإيمان" (عا7:3؛ 1كو2:14؛ مز14:25؛ أم32:3؛ أف19:6؛ 1تي9:3).

ب) تعريف السر الكنسى:

معنى كلمة سر فى الاسرار الكنسية المقصود بها هو "نوال نعمة سرية غير منظورة بواسطة مادة منظورة" وذلك بفعل روح الله القدوس الذي حل بمواهبه في يوم الخمسين على التلاميذ القديسين ورسل المسيح الأطهار، وبحسب ما أسسه السيد المسيح نفسه وسلَّمه للرسل الأطهار وهم بدورهم سلَّموه للكهنة بوضع اليد الرسولية.

و قد جاءت فى الكتاب المقدس بمعنى مواهب و لها علامات تشير الى امور مقدسة خفية.مثل قول بولس الرسول عن الزواج "هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ." (أف 5: 32). و معنى ذلك ان الاتحاد المحسوس بين الرجل و زوجته علامة او رمز الى امر روحى مكنون هو وحدة القلب و الروح التى تشبه اتحاد المسيح والكنيسة.

فالسر الكنسى اذن معناه نعمة غير منظورة ،نحصل عليها بممارسة طقس ظاهر ،ذو علاقة بها، على يد كاهن شرعى.

و يشترط فى علامة السر ان ان تكون اولا شيئا محسوسا، و ثانيا ان تؤدى الى معرفة شيئ اخر. لان العلامة لا توضع للدلاله على نفسها ، بل لابد لها من شيئ تشير اليه.

و فى هذا المعنى يقول بولس الرسول عن المعمودية "أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ،" (رو 6: 3). كأنه يقول ان طقس المعمودية يشير الى موت المسيح و دفنه و قبامته. و كذلك الحال فى سر الافخارستيا "فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ." (1 كو 11: 26).

و قد عرّف آباء كنيستنا السرّ بأنه عمل مقدس، به ينال المؤمنون تحت مادة منظورة، نعمة غير منظورة. ففي كل سر من أسرار الكنيسة السبعة وجهان، وجه منظور ووجه غير منظور ، ينبغى لمن يتقدم للسر أن يؤمن بوجوده ولكن لا يراه بالعين المجرده، فالقسم المنظور هو العمل الخارجي الذي يجريه الكهنة الشرعيون من خلال الطقوس الكنسية.

كمثال فان مادة السر هى الماء في المعمودية، والخبز والخمر في العشاء الرباني، والزيت الذي سبق تقديسه في مسحة المرضى. أما الوجه غير المنظور فهو النعمة التي يحصل عليها المؤمن نتيجة حصوله على هذا السرّ بإيمان، وبموجب الطقس الكنسي الخاص الذي يقوم به كاهن شرعي كخادم للسر.

اما الوجه غير المنظور في سر المعمودية مثلاً تنقية اللّه تعالى للمعَّمد داخلياً وتطهير نفسه وتبريره من الخطية الجدية والخطايا الفعلية التي اقترفها قبل أن يعتمد، وتنقية ذهنه وولادته ميلاداً ثانياً.

فالأسرار هي علامات خارجية منظورة لنعمة داخلية روحية إلهية، تأسست بواسطة ربنا يسوع المسيح. إنها ليست طقوسًا أو واجبات نلتزم بإتمامها. بل بالأحرى هي في مجملها تمثل قبول النعمة الإلهية، ومن خلالها يشُكلنا الروح القدس تدريجياً حتى نصير على شكل المسيح وصورته.

 

ثانيا : جوهر السر المقدس

أ ) الاسرار فى جوهرها هبات و تمنح نعما الهية:

الاسرار فى جوهرها هبات و ممارسات مقدسة تمنح النعمة الالهية فعليا للمتقدمين اليها .و بواسطتها تعمل النعمة فينهم. و ذلك لانها :

1 – مؤسسة من الله

2 – ذات هيئة او صورة

3 – واسطة بها ينال المؤمنين فيض النعمة الالهية.

فهى ليست رسوما و علامات للوعود الالهية بهدف انهاض الايمان بيسوع المسيح . و ليست هى اشارات للنعمة ليتوطد بالكنيسة او ان الكنيسة تتوطد بأيمانه . و ليست هى مجرد طقوس يتميز بها الانسان المسيحى عن غيره .كما ادعى مارتن لوثر و كيفن .

إن بعض الأسرار قد لا يناله المؤمنون كأفراد ليحصلوا على الخلاص، وهذه الأسرار هي سرّ الكهنوت الذي لا يلتزم الجميع بالارتسام به ولا يناله إلا المدعو من اللّه .

ان سر الزواج وسرّا مسحة المرضى والتوبة والاعتراف، ضروريين حينما يسقط المؤمنون في الخطية أو يصيبهم مرض جسدي. وهذه الأسرار ضرورية جداً للكنيسة ككل، فسرّ الزواج مثلاً ضروري جداً للكنيسة ككل لحفظ الجنس البشري، ولكنه غير ضروري للخلاص للمؤمنين كأفراد مثل الذين ينذرون البتولية ويتحمّلونها، والأرامل الذين يتحملون ذلك وتعتبر لدى هؤلاء جميعاً البتولية أفضل من الزواج وأقدس كقول بولس الرسول "إِذًا، مَنْ زَوَّجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ، وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ." (1 كو 7: 38).

أن بعض هذه الأسرار ذو صبغة ثابتة فلا يمكن أن يتكرر قبوله أى انها لا تعاد كالمعمودية والميرون، ونفس الدرجة من رتب الكهنوت أى إن هذه الاسرار تحديدا تترك أثرًا أو سمة لا تُمحى (أسرار واسِمة) في النفس الإنسانية القابلة لها، لذلك فهي لا تُعاد.

وبعض الأسرار يتكرر قبولها وممارستها أى انها تعاد كالقربان المقدس، والتوبة والاعتراف، ومسحة المرضى. فسريّ التناول والاعتراف فيجب تكرارهما بصفة مستمرة ومنتظمة قدر الإمكان، للحِفاظ على نقاوة الإنسان بالاعتراف وحِفظهُ من السقوط والخطيئة بالتناول المتواصل وباستحقاق السر المقدس.

و بالنسبة الى سر الزيجة فهو لا يُعاد، فلو كان كلا الخطيبين المتقدمين للزواج قد سبق زواجهما قبل ذلك (أي أرامل) فالكنيسة تزوجهما بدون إكليل ولكن كسماح (تحليل وليس إكليل).  ولكن يُصلَّى الإكليل كاملًا إن كان كلا أو أحد الطرفين بِكرًا.

ومدخل كل الأسرار هو المعمودية. فلا يتناول إنسان من سر الإفخارستيا ما لم يكن معمدًا. كما أن الشعب اليهودي لم يأكل من المن إلاّ بعد أن اجتاز البحر الأحمر الذي هو رمز للمعمودية.

وإن كان سر التوبة هو الخاص بمغفرة الخطايا إلاّ أن مغفرة الخطايا هي مع كل سر من الأسرار. ففي المعمودية غفران للخطايا (الحالية والجدية) ويخرج الإنسان مولودًا جديدًا. وهكذا في الميرون والإفخارستيا ومسحة المرضى والزيجة. لذلك يجب ممارسة الاعتراف قبل كل سر:

1)  يقول الكاهن في القداس عن سر الشكر/الافخارستيا (يعطي خلاصًا وغفرانًا للخطايا).

2) وعن سر مسحة المرضى "صلاة الإيمان تشفي المريض وإن كان قد فعل خطية تغفر له" (يع15:5).

والإنسان لكي يتقبل نعمة من الله في أي سر من الأسرار لابد أن يكون تائبًا ليستحق غفران خطاياه وبهذا يستحق أن يعمل فيه الروح القدس عملًا خاصًا.

ب ) مناسبة الاسرار للطبيعة البشرية :

ان هذا الترتيب الذى وضعه الله فى كنيسته موافق و مناسب لطبيعتنا، التى مراعاةً لجزئها الحسى تميل الى العلامات الحسية فى العلاقات الدينية .و لهذا رتب الله لموسى علامات كثيرة لاجل بنيان شعب اسرائيل فى التقوى . كالختان و الكهنوت و الكفارة و الحمل الفصحى و خبز التقدمة . و كلها علامات حسية تشير الى البر الذى كان عتيدا ان نناله بذبيحة المسيح .

وحيث أن الإنسان مركب من نفس وجسد ،وما يقع تحت حواس الجسد يطبع في النفس بقوة عظيمة، فلأجل هذا اختار اللّه "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ." (1 تي 2: 4).أن تُنظَّم الطقوس المقدسة، وتُرَتَّب العلامات المنظورة في الأسرار المقدسة لكي تؤثّر في نفوسنا جاعلة إياها منتبهة لاقتبال النعمة غير المنظورة وهذا يوافق طبيعة تركيب الإنسان من روح غير منظور وجسد منظور.

اذن فالسر هو عمل مقدس يتم بالصلاة واستخدام وسائط حسية منظورة ننال بها نعمة الله ومواهبه غير المنظورة. ولذلك قال القديس أغسطينوس - من اباء القرن الرابع - أن (السر هو الشكل المنظور لنعمة غير منظورة).

الله أراد أن نستخدم أشياء منظورة لأننا الآن في الجسد، والجسد هو شيء مادي لا يُدرك سوى الماديات. الإنسان روح وجسد، والروح تدرك الروحيات والجسد لا يُدرك سوى الماديات. لذلك فاستخدام المواد في الأسرار هام حتى يُدرك الجسد ما يحصل عليه.

و بناء عليه يكون السر فى اصطلاح الكنيسة عملا مقدسا به ننال نعمة غير منظورة تحت مادة او علامات منظورة . و هو مرتب من ربنا يسوع المسيح الذى به ننال النعم الالهية.

ج ) التشابه بين الاسرار و بين ما تشير اليه :

اسرار الكنيسة فى مظاهرها الطقسية اعمال تشير الى تطهير النفس و تجديدها بالنعمة .و هى مطابقة للقصد الالهى الذى وضعت من اجله، اذ يوجد تشابه كلى بينها و بين ما تشير اليه . خذ مثلا الغسل بالماء فى المعمودية ، فانه يشير بأسلوب مناسب الى غسل النفس من دنس الخطية.

كذلك الزيت فى سر الميرون و سر مسحة المرضى ، فانه انسب مادة للدلالة على قوة السر لتسكين اوجاع الجسد و تقويته . و هكذا تكون بقية الاسرار.

فكما انه يوجد فى الطب الجسدى ثلاثة انواع من الادوية .نوع يعالج المرض بعد الاصابة، و نوع ثانى يسبق الاصابة و يعطى وقاية من المرض، و نوع ثالث يحتاجه الجسم بصفة دورية كى يمنحه النشاط والعافية و الحيوية الجسدية. كذلك الاسرار المقدسة التى اعطانا اياها الرب يسوع طبيبنا الروحى و مخلصنا . فانها تقوم بهذه الوظائف عينها مع النفس البشرية.

فالمعمودية و التوبة و مسحة المرضى و سر القربان ( الافخارستيا ) ، تعتبر ادوية روحية للشفاء من الخطية الاصلية و الخطايا الفعلية .و هى ادوية يحتاج اليها جميع الناس.

بينما الزيجة و الميرون فهما دواءان للانتصار ، احدهما للنصرة على الشهوات . و الثانى لاضعاف قوى الاثارة المزاجية و الاندفاع . و فى ذلك وقاية و تحصين من الخطايا.

بسر الكهنوت و التوبة و سر القربان ( الافخارستيا ) أيضاً، فانهما ينميان فينا العافية الروحية المكتسبة من الاسرار الاخرى.و ذلك لان كافة الاسرار تتم من خلال سر الكهنوت و ينبغى ان يسبقها سر التوبة و الاعتراف ثم تكلل بسر القربان .

على ان من هذه الاسرار ما يكون بمثابة سمة روحية لا تمحى و لذلك لا تعاد، و هى المعمودية والميرون و الكهنوت . فبالمعمودية نوسم كأبناء الله ، و بالميرون نوسم كجنود للملك الاعظم ، و بالكهنوت نوسم كخدام لرئيس الكهنة الاعظم.

 

ثالثا : شروط اتمام السر المقدس

أ ) شروط اتمام السر:

قد وضع آباء الكنيسة شروطاً ثلاثة لإتمام كل سرّ من هذه الأسرار بصورة صحيحة وهي:

 1 ـ المادة: كالماء في سرّ المعمودية والخبز والخمر في سرّ القربان المقدس.

 2 ـ الصورة: وهي الألفاظ التي تتلى أثناء إتمام رتبة السرّ الطقسية وينبغي أن تكون المادة والصورة مما فيه قوة الدلالة على الغاية من السر وعمل القداسة والبر ،كقول الكاهن فى سر المعمودية ( اعمدك يا فلان باسم الاب و الابن و الروح القدس )

 3 ـ الكاهن المشرطن أى الذي قد نال الشرطونية القانونية واخذ السلطة الروحية الشرعية أي الرتبة والدرجة اللتان تؤهّلانه للقيام بإتمام رتبة ذلك السر الطقسية. وذلك باسم الرب يسوع وسلطانه الإلهي.

فعلى كل مسيحي أن يقتبل ما يحق له من هذه الأسرار المقدسة، فالأسرار فى جملتها، ضرورية للخلاص و الكمال، لبنيان الكنيسة ممثلة فى كل ابنائها الذين هم اعضاء فى جسد المسيح الواحد.

أما بالنسبة إلى المؤمنين كأفراد فبعض هذه الأسرار ضروري على الإطلاق أن يتقبله المؤمنون لينالوا الخلاص بالمسيح يسوع ربنا وهي كسرّي المعمودية والميرون المقدس اللذين يُمنحان كلاهما معاً. فبعد أن يعتمد المؤمن يمسح بالميرون المقدس مباشرة. وسرّ القربان المقدس الذي يُمنح للمؤمنين بعد تقـبُّـلهم سرّي العماد والميرون المقدس مباشرة. ويتقبّلونه باستمرار ما داموا أحياء لأنه قوت روحي ضروري لتقديس النفس والجسد وللنمو الروحي بالمسيح والثبات فيه ولنيل الحياة الأبدية، ولقدسيته يجب أن يكون المؤمنون في حالة البر أي التوبة عندما يتناولونه لذلك يمارسون استعداداً لنيله سرّ التوبة والاعتراف.

ب ) المادة المنظورة في الأسرار المقدسة:

المقصود بمادة السر هو المادة التى يحدث لها التحول.

تعتبر المادة المنظورة التي من خلالها ننال النعمة السرية غير المنظورة هامة جدًا ولها شروط معينة تجعلها مطابقة ماديًا للفعل غير المنظور للنعمة السرية:

+ فيُستخدم الماء كمادة منظورة للمعمودية، فبالماء يغتسل الإنسان لينظف جسده وفي المعمودية غسيل من الخطايا. والماء مادة مناسبة يغطس فيها الإنسان ويخرج إشارة للدفن مع المسيح والخروج حيًا معه مرة أخرى.

"وَالآنَ لِمَاذَا تَتَوَانَى؟ قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِيًا بِاسْمِ الرَّبِّ." (أع 22: 16).

+ ويُستخدم زيت الميرون الذي يحتوي على أنواع أطياب مختلفة إشارة إلى مواهب الروح القدس المتنوعة، وقد استخدمه الرسل كمسحة مقدسة. وكان العبرانيون يستخدمون الزيت في:

  1. الطعام: أرملة صرفة صيدا (1مل12:17). وكانوا يصنعون الخبز بالزيت.
  2. الإضاءة: مثل العذارى (أم18:31)
  3. مسح الأجساد: داود إغتسل ودُهِنَ بعد أن مات إبنه (2صم20:12) وكانوا يستعملون الزيت بعد تعطيره بالعطور الشرقية في إحتفالاتهم دليلًا على الفرح (مز5:23) وعدم إستخدامه دليل الحزن (مت17:6).
  4. معالجة الجروح: (إش6:1 + لو34:10) (السامري الصالح).

وكان هناك استخدامات مقدسة (أي خاصة بالعبادة في العهد القديم) مناظرة لهذه :-

                     أ‌- تقدمة الدقيق يسكب عليها زيت (لا2).

                    ب‌- المنارة تستخدم الزيت (داخل الخيمة).

                    ج‌- مسح الملوك ورؤساء الكهنة وبعض الأنبياء وتدشين الأماكن.

                   د‌-  مسح المرضى بالزيت (مر13:6).

"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ." (1 يو 2: 20).  و راجع ايضا (1 يو 2 : 27 ).

+ يستخدم القربان المقدس المصنوع من دقيق الحنطة ليتحول إلى غذاء سمائي وخبز سمائي هو جسد الرب والخبز مادة مناسبة، فبالخبز يحيا الإنسان جسديًا ويشبع، وحينما يتحول الخبز إلى جسد المسيح يحيا به الإنسان روحيًا ويشبع بالمسيح (أى يشعر بأنه يكتفى بالمسيح ولا يحتاج لسواه). ورغيف الخبز يتكون من حبات كثيرة من القمح تطحن لتتحد مع بعضها (الطحن يشير لألام هذا العالم الواقعة على شعب الله) وتعجن بالماء لتصير خبزة واحدة (الماء يشير للروح القدس الذي يوحد الكنيسة كجسد واحد "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا نشترك فى الخبز الواحد" (1كو10 : 17). ولاحظ أن المسيح كان حبة القمح التي دفنت فى الأرض وماتت لتأتى بثمر كثير هم حبات القمح الكثيرة أي المؤمنين (يو12 : 24). ولا حياة بدون خبز والمسيح مصدر الحياة. والخمير الذي يخبز به الخبز يشير للخطية التي حملها عنا المسيح، ومات بها على الصليب، وكما تميت نار الفرن الخميرة أمات المسيح الخطية بموته على الصليب. والخمر. "أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»." (يو 6: 51).

+ وعصير العنب يستخدم كرمز للفرح في الكتاب المقدس في العهد القديم (نش1 : 2 ، 7 : 9). ويشرح نيافة الأنبا رافائيل سبب إستخدام عصير عنب مختمر قليلا في السر، أى به نسبة قليلة من الكحول:- يسمى الكحول في اللغة الإيطالية سبرتو وتعنى الروح (الروح بالإنجليزية = spirit). فالعنب حينما يختمر يوجد فيه نسبة من الكحول وهو مادة متطايرة تشير للروح الإنسانية التي تفارق الجسد عند الموت. ومن هنا جاءت تسمية المشروبات الكحولية بالمشروبات الروحية. فالكحول في عصير العنب يشير لوجود روح حياة المسيح التي في الدم. هذا بالإضافة إلى اللون الأحمر لون عصير العنب وهو لون الدم، ولذلك يسمى عصير العنب دم العنب. والمسيح إستخدم رمز الكرمة للإشارة له وللكنيسة جسده (يو15 : 1). فالكرمة تكون شجرة واحدة لكنها تظل تمتد لتشمل حديقة بأكملها، إشارة لنمو الكنيسة وإمتدادها في كل العالم. ورمز الكرمة إستخدم في العهد القديم للإشارة لإسرائيل. لذلك حين إستخدمه الرب عن نفسه وعن الكنيسة قال "أنا هو الكرمة الحقيقية وأنتم الأغصان". هو جذر الكرمة والتلاميذ هم ساق الكرمة ونحن الأغصان. وكل عنقود عنب في الكرمة يمثل كنيسة مكونة من حبات العنب، ويسرى في الكنيسة عصارة واحدة هي دم المسيح. ولذلك كانوا يزرعون في الكنائس قديما كرمة عنب (1كو24:11"كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي»."  

+ وفي سر التوبة يكون وضع يد الكاهن بالصليب على الرأس هو المادة المنظورة لغفران الخطايا. "مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»." (يو 20: 23).

+ وفي سر مسحة المرضى يستخدم القنديل (زيت وفتيل) "وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ." (مر 6: 13).و أيضا  "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ،" (يع 5: 14).

+ وفي سر الزيجة يكون اتفاق الطرفين العريس والعروس حتى يصيران جسدا واحداً و الإكليل المقدس على رأسيهما ( د. موريس تاوضروس فى علم اللاهوت العقيدى ج 3) و الاكليل إشارة إلى إكليل العفة والتقديس (نش11:3).

+ وفي سر الكهنوت تكون المادة المنظورة هي اليد ونفخة الأسقف في فم الكاهن، مع قول الكاهن "فتحت فمى وإجتذبت لى روحًا".لمنح الموهبة والسر. "اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ، فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ." (أع 6: 6). و راجع ايضا (غل9:2؛ 1تي14:4؛ 2تي6:1؛ عب2:6؛ تث9:34).

ولقد رتَّب الرب أن تُمْنَح النِعَم غير المنظورة بواسطة مادة منظورة لأن الإنسان يحتاج إلى أن يشعر بشيء مادي واقعي لأنه في الجسد كقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "لو أن نفسك عارية من الجسد لكانت عطايا الله توهَب لك على هذه الصورة،كما سبق ان ذكرنا ... ولذلك استخدم السيد له المجد الطين لفتح أعين الأعمى (يو6:9)، وخرجت منه قوة من خلال أهداب ثوبه لشفاء نازِفة الدم، ووضع أصابعه في أذن الأصم ليسمع (مر33:7) وكان يشفي ويبارك بوضع يديه (مر23:5؛ 5:6؛ 23:8؛ 16:10).

 

رابعاً : الاسرار المقدسة ( عددها – ترتيبها – فاعليتها )

أ ) عدد الاسرار:

أجمعت الكنائس الرسولية استناداً إلى تعاليم الرسل الأطهار وشهادات الآباء الأبرار على أن عدد أسرار الكنيسة هو سبعة. وأن الكنيسة المقدسة منذ فجر وجودها قد مارست هذه الأسرار بلغاتها المتنوعة وطقوسها العديدة، وعلى الرغم من تباين أساليب ممارسة طقوس هذه الكنائس، فقد أجمعت على عدد الأسرار السبعة ،وجوهرها، وما تدلّ عليه، مما يقيم الحجة الدامغة على أنها وضع إلهي وتسليم رسولي، ولئن لم يأتِ الكتاب المقدس على ذكرها بشكل صريح، غير ان ذلك لا يشكك فى صحتها و لايضعف من حقيقتها ،ذلك لان شهادة التقليد الرسولى معادلة لشهادة الكتاب الالهى .

كما ان اجماع الكنائس الرسولية كلها منذ الاجيال الاولى على هذا العدد يعتبر من اقوى الادلة التى تثبته و تؤيده ، على الرغم من انه لم يرد ذكرها جملة في كتابات بعض الآباء الأولين، وأن بعض الآباء تكلّموا عن سرين أو ثلاثة معاً بحسب المناسبة والحاجة والغاية من ذلك الكلام.

 

وهذه الأسرار السبعة هي τα 7 Μυστήρια της Εκκλησίας ) : ) ( The seven sacraments )

1 - سر المعمودية ( βάπτισμαبابتزما) (Baptism )                   

2 - سر المسحة المقدسة - الميرون (Χρίσμα خريزما) ( The Holy Chrism ,or Confirmation )      

3- سر الشكر (ευχαριστία الإفخارستيا ) (  The Eucharist, or The Holy Communion )             

4 – سر التوبة والاعتراف ( μετάνοιαميتانيا )  (Repentance and confession  )

5- سر مسحة المرضى  (Ευχέλαιο افشيليون ) (  Unction of the sick )     

6- سر الزيجة ( γάμος غاموس )   (Holy Martimony,or Marriage )

7- سر الكهنوت (Ιεροσύνη ايروسينى ) (  Priesthood )

و هو خادم الأسرار كلها. فلا يمارس أي سر إلاّ كاهن شرعي غير محكوم عليه.

 

ب)  ترتيب الأسرار:

سر المعمودية – سر الميرون – سر الافخارستيا – سر التوبة و الاعتراف – سر مسحة المرضى – سر الزيجة – سر الكهنوت.

السبب في ترتيب الأسرار هكذا هو أن المعمودية هي باب الأسرار وبدونها لا يمكن نوال استحقاقات الفداء، فهي سر الولادة من فوق،

والكهنوت وُضِع في آخر الأسرار لأنه تاج الأسرار ومتممها فبدونه لا يتم أي سر منها،

والميرون بعد المعمودية لأن آبائنا الرسل كانوا يضعون الأيادي مباشرة بعد العماد (ولأن الذي غُرِسَ في جسد المسيح بالمعمودية يحتاج إلى مواهب الميرون للتثبيت في الطبيعة الجديدة)،

ثم بعد ذلك لا بُدّ أن الذي قام من الموت مع المسيح بالمعمودية (يو4:6) وبها وُلِدَ من فوق (يو3:3، 5) وأُعْطِيَ مواهب الحياة الجديدة (بالميرون) لا بُدّ له أن يعطى ليأكل ويتغذَّى من فوق (مر43:5) من خبز الحياة الذي هو جسد السيد المسيح ودمه الأقدسين (يه6) ووضع سر التوبة والاعتراف بعد التناول حتى يسارع من قد تطهَّر بالمعمودية وتغذّى بالتناول إلى مداومة الحفاظ على النعمة التي أخذها لتحيا نفسه طاهرة، ولأن شفاء النفس يؤدي إلى شفاء الجسد "اعترفوا..  لكي تُشفوا" (يع16:5).

لذلك وضع سر التوبة سابقًا لسر مسحة المرضى،

ثم بعد ذلك الزيجة لولادة أعضاء الكنيسة بالجسد،

ثم الكهنوت لولادة الأعضاء الروحيين ولإقامة الأسرار وانتشار الكنيسة، فالأسرار تبدأ بسر الولادة وتنتهي بواسطة الولادة.

و هكذا قد جعل السيد المسيح الأسرار ينابيع نِعَم روحية لفائدة المؤمنين. وفيها توجد الكفاية لسد حاجات أبناء الكنيسة. فبما أن الإنسان يولد وينمو ويقتات جسدياً فقد ترتب أن يولد وينمو ويقتات روحياً بوساطة الأسرار الثلاثة الأولى: المعمودية والميرون المقدس والافخارستيا (القربان المقدس). وبما أنه يمرض جسدياً وروحياً فقد ترتب أن يعتق من الأمراض الجسدية بمسحه بالزيت المقدس ويعتق من أسر الخطية بواسطة التوبة والاعتراف. ولضرورة أن يحفظ النوع الإنساني وينمو تعيّن سر الزواج الذي يقمع الشهوات أيضاً ويصون الإنسان من خطايا كثيرة. وحيث أنه لا بد من وجود خادم ذي سلطان روحي شرعي يقوم بإتمام هذه الأسرار ومنحها للمؤمنين اختار الرب له رسلاً وتلاميذ وأقام منهم خداماً لأسراره الإلهية بمنحهم سر الكهنوت المقدس.

ج ) مفعول الأسرار

للأسرار مفعولان :

1 - النعمة : ( عام ) لكل الاسرار

2 - الوسم:( خاص ) ويشمل سر المعمودية ، وسر الميرون ، وسر الكهنوت

و هو عبارة عن ختم روحى غير قابل الازالة ،ومانع من اعادة السر مرة اخرى ، وبه يتميز المؤمنين عن غيرهم أمام لله والملائكة ، هذا الوسم ثابت ودائم لا يمحى لا في هذه الحياة ولا في الأخرى كقول بولس الرسول :

"وَلكِنَّ الَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ. الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضًا، وَأَعْطَى عَرْبُونَ الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا. " (2 كو 1: 21- 22).

" الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ،" (أف 1: 13).

"وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ." (أف 4: 30).

و أيضا جميع الأباء يشيرون الى هذا الختم والوسم :

يقول القديس كيرلس الأورشليمى : ( ختما سماويا وإلهيا ) عن المعمودية

والقديس أمبروسيس : ( ختما روحيا ) عن المعمودية

د ) فاعلية الاسرار المقدسة :

ان الاسرار لها فاعلية مؤكدة فى جوهرها كونها هبات و اعمال مقدسة تمنح المؤمنين نعم الله غير المنظورة تحت علامات منظورةو اليك بعض البراهين :

1 – ان الكتب المقدسة تقرر هذا الرأى فمثلا عن المعمودية يقول : "لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ." (أف 5: 26).و قوله : "وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا." (1 كو 6: 11). و ايضا "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ." (يو 3: 6).

و عن سر الشكر يقول : "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ.  مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، أَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي." (يو 6: 53 – 57 )

و عن سر الكهنوت يقول: "لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ." (1 تي 4: 14).و قوله : "فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ،" (2 تي 1: 6).

و عن سر مسحة المرضى قال يعقوب الرسول : "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ." (يع 5: 14 - 15).

و عن سر الميرون جاء فى سفر الاعمال : " وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ السَّامِرَةَ قَدْ قَبِلَتْ كَلِمَةَ اللهِ، أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا،اللَّذَيْنِ لَمَّا نَزَلاَ صَلَّيَا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ بَعْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَمِدِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ." (أع 8: 14 - 18).

و عن سر التوبة قال الرب يسوع : "مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»." (يو 20: 23).

و عن سر الزيجة قال بولس الرسول  : "هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ." (أف 5: 32 )

من هذه الايات يتبين ان الاسرار المقدسة هى هبات الروح القدس الذى يفيض النعم المبررة فى نفوسنا.فالاسرار تفعل فعلا حقيقيا فى المؤمن المتقدم لنوالها.

2 – الفرق بين معمودية يوحنا و معمودية المسيح ، فإن معمودية يوحنا لم تكن سوى معمودية للتوبة و الاعداد حسب قوله "أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ."(مت 3: 11). فمعمودية يوحنا كانت استعدادا لمغفرة الخطايا، و لم تكن لها قوة على محو الخطيئة . اما معمودية المسيح فلها قوة غفران الخطايا لانها تمنح بالماء و الروح القدس. و من هنا يتضح ان اسرار العهد الجديد لها قوة و فاعلية بالروح القدس.

3 – ان اسرار العهد الجديد تمنح النعم الالهية بخلاف اسرار العهد القديم، التى لم تكن الا رمزا وظلا للخيرات العتيدة حسب قول الرسول "لأَنَّ النَّامُوسَ، إِذْ لَهُ ظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ لاَ نَفْسُ صُورَةِ الأَشْيَاءِ، لاَ يَقْدِرُ أَبَدًا بِنَفْسِ الذَّبَائِحِ كُلَّ سَنَةٍ، الَّتِي يُقَدِّمُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، أَنْ يُكَمِّلَ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ." (عب 10: 1).و لكن عن اسرار العهد الجديد يقول بولس الرسول "وَبِهِ أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ. مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ." (كو 2: 11 - 12).لان النعمة و الحق و روح البنوة و ختان القلب بالروح من خصائص العهد الجديد .

4 – لو كانت طقوس الاسرار عبارة عن علامات او رسوم تميز المسيحى من غيره لانتفت الفائدة منها كليا . اذ ليست هى علامات ظاهرة تترك اثرا فى الشخص ظاهريا ، و انما هى اعمال ، الغرض منها تأثير النعمة الداخلية بواسطتها.

5 – الاسرار هى بركات و نعم المسيح يفيض بها على المؤمنين .

6 – اعتادت الكنيسة ان تمنح الاطفال منذ القديم الاسرار كالمعمودية و الميرون و سر الشكر ( الافخارستيا ). فلو كان الغرض منها انهاض الايمان فقط لاصبحت من غير ذى جدوى لان الاطفال لا يدركون معناها و لا الغاية التى من اجلها تمنحهم الكنيسة هذه الاسرار.

7 – ان الله رتب ان تكون الاسرار وسائط لنيل بركاته و نعمه ، فقد رتب لها الات منظورة بها يشترك  المؤمنون فى نعم الروح القدس. و الله الذى اسسها لهذا الغرض و ارادته نافذه، و كل اعتراض عليها انما هو اعتراض على شخص الفادى

يقول القديس يوحنا ذهبى الفم ( ايها المسيحى لو كنت عاريا من الجسد لكانت عطايا الله تمنح لك على هذا النمط ، و لكن حيث ان نفسك متحدة بجسدك فلزم ان الله يقدم لك بعلامات محسوسة ما لا يدرك الا بالعقل).

8 – ان هذا التعليم هو تعليم الكنيسة الاولى منذ الاجيال الاولى.قال القديس اثناسيوس الرسولى (كما ان الانسان اذ يعمد من الانسان اى الكاهن يستنير بنعمة الروح القدس ، كذلك المعترف بخطاياه فى التوبة ينال الصفح بنعمة يسوع المسيح بواسطة الكاهن )

و يقول القديس غريغوريوس النيسى : " و ان كان الماء ليس شيئا اخر غير الماء ،لكن اذ يقدس من فوق بالنعمة يجدد الانسان بالتجديد الروحانى."

يقول القديس اغسطينوس : " ما نأخذه من اثمار الارض و نقدسه بصلوات التقديس السرية وعندئذ نتناوله لاجل صحتنا الروحية متذكرين موت ربنا لاجلنا. و هذه بالرغم من انها تقدم بأيدى بشرية فى هذا الشكل المنظور لكنها لا تتقدس لتصير هكذا الا بروح الله الذى يعمل بطريقة غير منظورة."

و مما سبق يتضح اعتقاد الكنيسة منذ القديم فى فعل الاسرار .

 

خامسا  : الروح القدس فى الاسرار المقدسة:

أ ) أسرار الكنيسة مبنية على عمل الروح القدس.

فالروح القدس هو الذي يبارك مياه المعمودية ويعطي للإنسان ميلادًا جديدًا فيعتبر مولودًا من الماء والروح.

والروح القدس هو صاحب المسحة المقدسة في سر الميرون.

وهو الذي يعطي غفران الخطايا في سر التوبة فلا يغفر الخطايا سوى الله وحده.

والروح القدس هو الذي يحول الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه، والكاهن يستدعي روح الرب في سر الإفخارستيا فبروحه تتم الاستحالة Transubstantiation أى يحدث التحول.

والروح القدس هو الذي يمنح السلطان والدرجة في سر الكهنوت.

وهو الذي يحول الاثنين واحدًا في سر الزواج، ثابتين في جسد المسيح كجسد واحد، ويمنحهما حبًا روحانيًا متبادلًا يحافظ على كيان الأسرة، لذلك يقول الكتاب "ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان"

والروح القدس هو الذي يمنح الشفاء في سر مسحة المرضى.

إذًا الروح القدس هو العامل في الكنيسة في الأسرار المقدسة. وسميت أسرار لأجل العمل السري الذي يعمله الروح القدس دون أن يرى الناس منه شيئًا  "لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ. اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ". (يو3: 7، 8).

ولذلك قيل أنها أسرار لأننا بها ننال نعمة سرية تعطي بواسطة شيء ظاهر، فالظاهر مثلًا هو تغطيس المعمد في الماء والسر هو ولادة جديدة ( موت مع المسيح وقيامة مع المسيح) .

والظاهر في سر الإفخارستيا هو خبز وخمر .... و هكذا.

ب ) عمل روح الله مرتبط بجهاد الانسان:

السر هو عمل الروح القدس غير المنظور. لذلك فالسر الكنسي يقال عنه نعمة غير منظورة تحت أعراض منظورة والنعمة التي نحصل عليها في السر هي نعمة قابلة للزيادة والنقصان بحسب جهاد الإنسان. يقول القديس اغسطينوس (ان الله الذى خلقك بدونك، لن يخلصك بدونك )

ففي سر الميرون يسكن الروح القدس في الإنسان و بجهاد الإنسان يمتلئ بالروح وتزداد النعمة ليصير الى ملئ قامة السيد المسيح الذى "مِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا" (يو 1: 16). أما إذا أهمل الإنسان جهاده يحزن الروح وينطفئ فتقل النعمة .

لذلك يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "أذكرك أن تضرم أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ" (2تي6:1). ويقول للجميع "امتلئوا بالروح" ويكمل شارحًا كيف نمتلئ بالروح "مكلمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب. شاكرين كل حين على كل شيء. خاضعين.." (أف18:5-21). ولاحظ أنه يقول إمتلئوا بالروح لأهل أفسس الذين حل عليهم الروح القدس من قبل (أف3:4، 4) ويقول لأهل كورنثوس "جسدكم هيكل للروح القدس" (1كو19:6). وينبه الرسول أيضًا قائلًا "لا تحزنوا روح الله" (أف30:4) وأيضًا لا تطفئوا الروح (1تس19:5).

و في سر المعمودية نُدفن مع المسيح ونصُلِب إنساننا العتيق، و نقوم بحياة جديدة متحدين بالمسيح (رو3:6-6)، فهل كل من اعتمد لن يخطئ فيما بعد؟‍‍! قطعًا لا... إذًا لماذا؟ هذا لأن ليس كل المعمدين يجاهدون، ولهذا تضمحل النعمة التي حصلوا عليها. فصلب الإنسان العتيق هو قرار شخصي بحريتي، لذلك يقول بولس الرسول "قدموا أجسادكم ذبيحة حية." (رو12: 1). وبالنسبة لنفسه يقول "أقمع جسدي وأستعبده" (1كو9: 27) . ومن يقرر ويفعل يمتلئ من ثمار الروح (غل5: 24).

و فى سر التناول (كسر الخبز) فتح عيني تلميذيّ عمواس فعرفوا المسيح "فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا،" . (لو30:24، 31). وفي قسمة للقديس كيرلس (رقم 19/20 في الخولاجي) يقول (وعند إصعاد الذبيحة على مذبحك تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك) فهل كل إنسان يتناول تنفتح عينيه فيعرف المسيح وتضمحل الخطية من أعضائه؟ لا.. والسبب يرجع للتراخي وعدم الجهاد.

في سر الزيجة يمنح الروح القدس نعمة المحبة للزوجين، فهل كل زوجين نالا سر الزيجة هما في محبة روحانية؟ لا.. والسبب راجع لعدم الجهاد. فالبيت الذي فيه صلاة وكتاب مقدس وتوبة وجهاد، تزداد فيه نعمة الروح القدس الممنوحة للزوجين في سر الزيجة وبالتالي لابد وأن يمتلئ البيت محبة وفرح.

وبنفس المفهوم يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الذي حصل على سر الكهنوت "إلى أن أجئ أعكف على القراءة والوعظ والتعليم. لا تهمل الموهبة التي فيك، المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة. لاحظ نفسك والتعليم" (1تي12:4-16). فتيموثاوس حصل على نعمة الكهنوت بوضع يد المشيخة (وضع يد بولس الرسول الرسولية الكهنوتية) وهذه النعمة تزداد بالقراءة (يعلم نفسه) والوعظ والتعليم أيضًا بمعنى (يعلم شعبه) فالمُروي هو أيضًا يُروَى (أم25:11).

ج ) علّة (سبب ) النعمة ومفعولها:

إن السرّ ليس بحدّ ذاته علّة النعمة، إنما الهنا الصالح وحده هو العلّة الرئيسة لها، وهو واهب النعم، وهو يعطي للأسرار قوة النعمة ومفعولها عندما تكمل رتبة السرّ بصورة قانونية صحيحة. وما السرّ إلاّ واسطة لنيلها. وعليه فإن مفعول السرّ لا يتعلق بعمل العامل اى لا يشترط لصحة السر صلاح الخادم او درجة ايمان القابل( المتقدم للسر )، لذا لا فرق إن كان خادم السر الشرعي خاطئاً أو باراً فالمؤمن ينال مفعول السر على كلتا الحالتين وهذا من فيض مراحم اللّه.

لان قوة السر بحسب النعمة التى منحها ليست متعلقة باستحقاق خادم السر بل هى متعلقة على الخصوص باستحقاق و إرادة ربنا يسوع المسيح الذى هو نفسه يتمم السر بوجه غير منظور.

قال القديس اغسطينوس: ( لا فرق بين أن توزع الأسرار من خدام أبرار اوخطاة ، فمثلها مثل البذور تلقى على الأرض بيد الفلاح ، سواء كانت يده نظيفة ، او قذرة ، فتأتى بالثمرة على حد سواء ، ولو تعلقت فاعلية الأسرار بقداسة الخادم او عدمها لتعلق خلاصنا بحريتهم )

ضمان تحقيق السر هو فى الروح القدس الحال فى السر وليس فى الكاهن الذى يتمم السر. يقول القديس اثناسيوس الرسولى:" ان الكاهن لا يقدس الماء بل يتمم الخدمة الواجبة وقد أخذ لها نعمة من الله "( فى الثالوث فصل 40)

وقال ايضا " ان عمدنا وان ثبتنا وان صفحنا فان المسيح هو علة هذا كله وفاعله "

أما خادم السر غير البار وغير التائب فدينونته صارمة. فعلى المؤمنين أن يتقبّلوا هذه الأسرار بإيمان حي لا تزعزعه الشكوك، ذلك أن النعم التي ينالونها هي غير محسوسة ولا ظاهرة. أما ما يرونه ويحسّون به فهو المادة المحسوسة. مثل الماء في المعمودية، والخبز والخمر في القربان المقدس الذي هو جسد الرب يسوع ودمه الأقدسان.

فالمؤمنون إذ يثقون بصدق كلام اللّه تعالى ووعده الأمين أنه يمنح نعمه الإلهية غير المنظورة بوسائط المادة المحسوسة الظاهرة من هذه الأسرار، يتقبّلونها بإيمان، خاصة وهي ملائمة للإنسان القائم ليس من الروح فقط بل من الروح والجسد، فعليه ألاّ يشكّ قطعاً في أن الروح القدس يتمّم سر نعمته بتقديس هذه الأسرار ،فيجعل في العماد ولادة روحية من السماء، وفي الميرون المقدس ختماً إلهياً لنيل الروح القدس، وفي القربان المقدس غذاء روحياً بتناول جسد الرب يسوع المسيح ودمه، وفي التوبة والاعتراف حلاً من الخطاياً ومغفرة الذنوب. وفي الكهنوت سلطاناً روحياً لربط الخطايا وحلّها وخدمة الأسرار المقدسة، وهكذا قل عن باقي الأسرار.

 

سادسا :مرجعية الاسرار المقدسة كتابيا و قانونيا:

أ ) الاسرار المقدسة من الكتاب المقدس:

اليكم بعض الايات على سبيل المثال و ليس الحصر التى تثبت كل سر

1 - سر المعمودية

"أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ." (يو 3: 5).

"لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ،" (أف 5: 26).

"وَالآنَ لِمَاذَا تَتَوَانَى؟ قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِيًا بِاسْمِ الرَّبِّ." (أع 22: 16).

2 - سر الميرون

"حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ." (أع 8: 17).

"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ." (1 يو 2: 20).

3 - سرالافخارستيا ( تناول جسد الرب ودمه )

"فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، أَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ " (يو 6: 53-56).

4 - سر التوبة و الاعتراف

"مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»." (يو 20: 23).

 5 - سر مسحة المرضى

"وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ." (مر 6: 13).

"أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ(قسوس) الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ. " (يع 5: 14).

6 - سر الزيجة

"وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ" (مت 19: 5).

" مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا .هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ." (أف 5: 32).

7 - سر الكهنوت

"وَانْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ." (أع 14: 23).

"لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ." (1 تي 4: 14).

"فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ،" (2 تي 1: 6).

"مَدْعُوًّا مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ." (عب 5: 10). وواضح هنا ان بولس الرسول يتكلم عن السيد المسيح بصفته رئيس كهنة اى انه رئيس على كهنة ، فهل يقصد كهنة العهد القديم ؟ نجد الاجابة فى الجزء الثانى من الاية " على رتبة ملكى صادق " التى كانت الخبز و الخمر و ليست ذبائح دموية كما كان لكهنة العهد القديم . اذا هناك كهنة يقدمون تقدمة الخبز و الخمر و المسيح هو رئيسهم .

ب ) قانونية الاسرار المقدسة :

وقد رسم الرب يسوع نفسه أسرار الكنيسة السبعة وأودعها كنيسته المقدسة ليوزّعها خدام الكنيسة الروحيون على المؤمنين لنيل نِعَم الخلاص. ونستدل من التقليدين الرسولي والكنسي أن الرسل الأطهار قد تسلّموها من الرب يسوع خاصة في خميس الفصح الذي يدعى لدينا أيضاً خميس الأسرار. وفي فترة الأربعين يوماً التي تلت قيامة الرب من بين الأموات وهي الفترة الواقعة ما بين قيامته وصعوده إلى السماء. وفيها أيضاً منح الرب يسوع سلطاناً للرسل ليكونوا وكلاء سرائره (1كو 4: 1 وتي 1: 7) .وأعطاهم سلطان حلّ الخطايا وربطها في السماء وعلى الأرض (مت 16: 19 و18: 18 ويو 20: 22و23)، وأرسلهم لينشروا بشارته الإنجيلية في العالم أجمع (مر 16: 16) وعيّنهم سفراءه في الأرض كلها (2كو 5: 20) ورعاة لرعيته الناطقة (يو 21: 15 ـ 17).

والرسل بدورهم سلّموا هذه الوكالة إلى تلاميذهم وخلفائهم لدوام سلسلة الولاية الكهنوتية في كل الأجيال (أع 14: 23 وتي 1: 5 ومت 28: 19و20 ويو 20: 21) وذلك لاستمرار الكنيسة في أداء رسالتها في إيصال أسراره الإلهية السبعة التي هي نِعَم الخلاص وثمار الفداء وتوزيعها على المؤمنين به في جميع أنحاء العالم وفي كل الأجيال وإلى أبد الآبدين.

إن الإيمان شرط أساسى للراشدين من المؤمنين ليستحقوا نيل مفاعيل هذه النعم التي تتضمنها الأسرار المقدسة. أما غير الراشدين فينالون ذلك بناء على إيمان آبائهم أو ولاة أمرهم. ففي سر المعمودية مثلاً يعلن الإشبين (القريب) صورة الإيمان نيابة عن الطفل المعتمد وكأن الطفل ذاته قد أعلن هذا الإيمان، مثلما كان الطفل في نظام العهد القديم يختتن في اليوم الثامن من ميلاده ليدخل في العهد مع اللّه وذلك بناء على إيمان آبائه ورغبتهم ودون أن يدرك ذلك حتى يبلغ سن الرشد.

وتستمد هذه الأسرار المقدسة قوتها من ذبيحة الصليب والغاية منها نيل التبرير والتقديس والتبني والثبات في المسيح والجهاد الروحي في سبيل نيل ملكوته السماوي والحياة الأبدية الصالحة.

 

الى هنا اعاننى السيد المسيح.... و سيتم استكمال شرح كل سر فى موضوع منفصل بنعمة المسيح.

كونوا معافين فى الرب .

باحث اكليريكى / مينا ثروت قلادة

 

المراجع:

الأسرار السبعة (الأسرار الكنسيَّة السبعة) - القمص أنطونيوس فكري

أسرار الكنيسة السبعة – الارشيدياكون جبيب جرجس

علم اللاهوت – المجلد الثانى – الفصل الثالث ( الاسرار )ص 305 – 316 ابونا ميخائيل مينا

أسرار الكنيسة السبعة - مار إغناطيوس زكا الأول عيواص

أسرار الكنيسة السبعة  - القمص تادرس حبيب غبور

علم اللاهوت العقيدى – المجلد الثانى – للدكتور موريس تاوضروس