المعنى الصحيح فى إستخدام المسيح للقبى"ابن الله" و "ابن الانسان"

السيد المسيح له المجد جمع بين كونه ابن الله ، و ابن الانسان معا. فهو ابن الانسان ، لانه نزل من السماء و اتخذ صورة الانسان. وعندما اراد ان يتجسد من اجل خلاص البشرية، حل بلاهوته فى بطن العذراء مريم ، و اتخذ منها جسدا بروح انسانية عاقلة ،و اتحد بها اتحادا كاملا، و بعد تسعة اشهر كاملة، خرج من بطن العذراء مريم، إلها متأنسا، اى انه ظهر فى انسانية كاملة. فظهر طفلا و هو الله الكلمة.

إذن مع انه إله و فيه كل ملء اللاهوت، لكنه اتحد بالناسوت، و ظهر انسانا كاملا ،مثله مثل اى انسان اخر لكن دون خطية، فيه كل ما للانسان من صفات انسانية بكامل خصائصها. و على هذا النحو صار انسانا ، و ابن انسان لانه ابن مريم. حيث ولد منها و خرج من احشائها انسانا كاملا.

و هذان اللقبان أكد عليهما الرب يسوع اثناء محاكمته كما جاء فى انجيل مار متى البشير:

"وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟»قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ. وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ»" (مت 26: 63-64).

و نحن فى هذا البحث سنشرح كلا اللقبين من حيث الغرض و البعد الكتابى و اللاهوتى لكليهما و خاصة لقب ابن الانسان ، لان البعض يشككون و اخرون يعثرون لحرفية فهمهم معنى لقب ابن الانسان.

المبحث الاول : لقب ابن الله

اولا : لقد عَلَّمَ السيد المسيح انه ابن الله :

1 – فى معجزة شفاء المولود اعمى بعد ان شفاه يسوع قال له " «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ؟» أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ»" (يو 9: 35 - 37).

2 – حين مرض لعازر و أرسلت مريم ومارثا يطلبان يسوع رد سائليه قائلا " «هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ»." (يو 11: 4).

3 – فى اثناء محاكته امام قيافا " فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ" (مر 14: 61).

و فى انجيل متى جاء النص : «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟»قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ»" (مت 26: 63-64).

4 - "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16).

ثانيا : الله الاب أعلن بنوة السيد المسيح له :

1 – أثناء عماد السيد المسيح : "وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»." (مت 3: 17).

2 – فى تجلى السيد المسيح : "وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا»." (مت 17: 5)

ثالثا : السيد المسيح يقبل شهادة آخرين بإنه ابن الله :

1 – يوحنا المعمدان أول انبياء العهد الجديد قال "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ»." (يو 1: 34).

2 – التلاميذ بعد ان جائهم ماشيا على الماء جعل بطرس يمشى هو ايضا على الماء : "وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: «بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللهِ»." (مت 14: 33).

3 – قائد المئة و الجند عند صليب رب المجد يسوع : "فَلَمَّا رَأَوْا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ»." (مت 27: 54)

4 – مرثا أخت لعازر "قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ»." (يو 11: 27).

5 – رد بطرس على سؤال المسيح للتلاميذ : "وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلًا: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟...... فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ»" (مت 16: 13).

رابعا : الشياطين اعترفت بأن السيد المسيح هو ابن الله :

+ "وَالأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ حِينَمَا نَظَرَتْهُ خَرَّتْ لَهُ وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «إِنَّكَ أَنْتَ ابْنُ اللهِ»." (مر 3: 11).

+ "وَكَانَتْ شَيَاطِينُ أَيْضًا تَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ» فَانْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ." (لو 4: 41).

 + "وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي!»" (مر 5: 7)

 خامسا : المدلول الكتابى للقب ابن الله :

استخدم الكتاب تعبير ابناء الله ليخص فئة او خاصة ما و ينسبها اليه بشكل نسبى وذلك لتمييزهم عن باقى الشعوب . و لكن لم يخص احد بلفظ ابن الله بصيغة المفرد سواء من بين الملائكة او البشر لان هذا الاستخدام يخص فقط السيد المسيح و يدل على ألوهيته . لان لقب ابن الله يعبر عن ملء اللاهوت ، و ليس اللاهوت فى معنى ثانوى ، او معنى غير أصيل ، او معنى مكتسب. ( د موريس تاوضروس من كتاب يسوع الناصرى لابونا بيشوى حلمى )

وجدير بالذكر انه فى إنجيل القديس مارمرقس الرسول الذى هو اول انجيل كتب باللغة الارامية فتكون بدايته هكذا  "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" (مرقس 1: 1).

و اخر انجيل كتب كان لماريوحنا الحبيب ينهى رسالته بهذه الحقيقة "وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ." (يو 20: 31).

فرسالة الانجيل من اولها الى اخرها تعترف و تؤكد عى حقيقة أن المسيح هو ابن الله .

سادسا : المعنى اللاهوتى للقب ابن الله :

ان السيد المسيح بالحقيقة هو ابن الله ، فلانه من حيث لاهوته هو من طبع الله الاب و من جوهره ،أى انه من ذات طبيعته، و من ذات جوهره. فهو منه، و فيه ، بغير إفتراق ، و قد قال السيد المسيح له المجد عن ذاته من حيث لاهوته "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ»." (يو 10: 30). و  "لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ." (يو 17: 22).

بالتأكيد لا نقصد فى المسيحية ان الله يلد كما يلد الانسان او الحيوان . لان الولادة فى عالم الانسان و الحيوان تقتضى الجسد بينما ان الله روح . "اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا»." (يو 4: 24).

انما المسيح هو ابن الله ، لاننا رأينا فيه الله الذى لا يُرى، "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ." (يو 1: 18). و حضن الاب هو ذات الاب ، و جوهره.

"فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ." (لو 1: 35).

"وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ." (يو 20: 31).

وقد قبل المسيح أن يدُعى ابن الله، وجعل هذا أساسًا للإيمان وطوّب بطرس على هذا الاعتراف.

سابعا: نبوءات العهد القديم عن ابن الله :

جاء فى العهد القديم نبوءتان عن ابن الله

النبوة الاولى : فى سفر الامثال على لسان أَجُورَ ابْنِ مُتَّقِيَةِ مَسَّا ،حيث طرح عدة أسئلة قائلا :

"مَنْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَنْ جَمَعَ الرِّيحَ في حَفْنَتَيْهِ؟ مَنْ صَرَّ الْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَنْ ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا اسْمُهُ؟ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟" (أم 30: 4).

و لان المعرفة البشرية في أعلى درجاتها تعتبر محدودة جدًا بالنسبة الى الله. ونجد هنا سؤال لم يستطع أحد فهمه قبل تجسد المسيح وهو من صعد إلى السموات ونزل. والمسيح أجاب على هذا السؤال لنيقوديموس بقوله "وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ." (يو 3: 13). وبولس أكمل الشرح قائلا "وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلًا إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى. لَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيْضًا فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلأَ الْكُلَّ." (أف 4: 9).

فمن الذى له سلطان على السماء و الارض؟، و يتحرك فى سهولة من السماء و ينزل. و يسأل هنا عن الذى له سلطان على الهواء و الرياح وهو أمر يفوق العقل، ولا يقدر عليه إنسان، بل الله وحده، فهو المتحكم في الرياح، ومساراتها.

و يسأل عن الذى له سلطان على المياه . والمياه التي في العالم هي البحار والأنهار، وكذا بخار الماء الذي في السماء . فلا يستطيع أحد أن يضبط البحر بخاصيته المد والجزر  و كافة الامور المتعلقة بها إلا الله وحده. ونجد ان السيد المسيح أظهر سلطانه على الرياح وعلى البحر فأطاعاه "فَتَعَجَّبَ النَّاسُ قَائِلِينَ: «أَيُّ إِنْسَانٍ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ جَمِيعًا تُطِيعُهُ»." (مت 8: 27).

ثم يسأل عن الذى خلق الارض و ثبت مداراتها فى الكون. ولا يستطيع أحد أن يتحكم في الأرض، ويثبتها إلا خالقها و هو الله. بهذا تكون الاجابات سهلة لأى واحد ان يقول ( انه الله المقصود بهذا كله ) .

و من ثم يسأل ( ما اسمه ؟) و الاجابة اعلنها الله فى مرات عديدة فى العهد القديم:  ( أهيه ، يهوه , انا هو ، القديم الايام ...... )

ثم يطرح سؤاله الاخير قائلا: ( ما اسم ابنه ان عرفت ؟ ) و كانت الاجابة عند علماء العهد القديم ( انه سر عظيم ) لان هذه النبوة أعلنت ان لله ابنا و له اسم ،و لكن تحديد اسمه لم يكن معلنا فى تلك الايام و لكن  سيعلن فيما بعد .

و قد استعلن بتجسد السيد المسيح له المجد. فنحن لا نعرف إنسانا صعد الى السماء ونزل، فإيليا وآخنوخ صعدا إلى السماء ولم ينزلا. فالوحيد القادر على الصعود والنزول من السماء هو الله.

فعندماتجسد الله الكلمة فى ملء الزمان متجسدا من العذراء مريم بفعل الروح القدس ، صارت لنا معرفة ربنا يسوع المسيح المسيح الذي نزل من السماء وصعد إليها،

النبوة الثانية :حيث تنبأ عنه اشعياء النبى قائلا:  "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ." (إش 9: 6).

يولد لنا ولد = فدينونة إبليس بدأت بولادة المسيح الذي قيده ثم قبض عليه وربطه بسلسلة بالصليب. وفي المجيء الثاني يلقيه في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ20: 1 - 3 ، 10).

نُعْطَى ابْنًا = هذه مثل الكلمة صار جسدًا. الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ = المسيح بصليبه الذي حمله على كتفه ملك على قلوب كل من آمنوا به.

عَجِيبًا = هو فائق الإدراك في نزوله من السماء، في اتضاعه ومحبته للبشر وميلاده البتولي ومعجزاته وقيامته وصعوده وأقواله وتعاليمه، بل بإسمه العجيب صنع تلاميذه معجزات. وهذا ما قاله ملاك الرب لمنوح أبو شمشون "لماذا تسأل عن إسمي وهو عجيب" (قض13: 18).

رَئِيسَ السَّلاَمِ = فهو أعظم من ضحي لأجل السلام، فصليبه كان صناعة سلام بين الأرض والسماء وهو وحده القادر أن يضع السلام الداخلي في قلوبنا، هذا السلام لا يستطيع العالم أن ينزعه منا.

مُشِيرًا = المسيح هو حكمة الله (1كو 24:1 و كو 2:3) والمسيح أعلن السر الإلهي للبشر وكشف عن الآب (يو 6:17).

إِلهًا قَدِيرًا = فهو واحد مع الآب في الجوهر، هو الإله الحق من الإله الحق.

أَبًا أَبَدِيًّا = المسيح في ألوهيته لم يعلن جبروت الله فقط بل أبوته وحنانه. آب تعني أصل وهي كلمة سريانية، فالإنسان كان يتحرق شوقًا لأصله ولأبيه. وبالمسيح عرفنا محبة الآب الأبدية وبه صرنا أبناء له.

يعلق القديس يوحنا فم الذهب على هذه الاية فيقول : دُعِيَ ابن الله هكذا (رسول المشورة العظيمة) من أجل الأمور التي علمّها خاصة وأنه أعلن للبشر عن الآب، إذ يقول: "أظهرت اسمك للناس" (يو 17: 6)حيث أعلن اسمه بالكلمات والأعمال.

 

المبحث الثانى : لقب ابن الانسان

+ مقدمة

لقد حرص السيد المسيح له المجد على ان يلقب ذاته ب ( ابن الانسان )، تأكيدا لحقيقة تجسده تجسدا كاملا ، و بيانا منه له المجد بأنه اتخذ جسدا من طبيعة جسدنا ، فلم يكن جسده شبحا او خيالا او شبه جسد ( كما ادعى بعض اصحاب البدع ). و لم يكن جسده جسدا أثيريا ( = غَير مَلْحُوظ أوغير ملموس رغم تأثيره )، و انما كان جسده مطابقا لجسدنا ، من نفس مادة جسدنا، و من طبيعته. فقد شابهنا فى كل شيئ ما عدا الخطية وحدها. "مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا للهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ." (عب 2: 17).

يقول الكتاب المقدس "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا." (يو 1: 14). اى ان الله الكلمة صار جسدا اى صار له جسدا

و يقول "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ،" (عب 2: 14).

و قال ايضا "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. " (في 2: 5 - 8).

 و ايضا "بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولًا، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ، الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ،" (رو 1: 1 - 3).

و ايضا "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ،" (غل 4: 4).

"وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ." (1 تي 3: 16).

هذا هو المعنى من ان المسيح يلقب بابن الانسان، لانه و هو الله الكلمة، ولد من مريم و هى انسان ، و لانه اتخذ صورة الانسان و شكل الانسان و جسد الانسان.

و قد كان السيد المسيح له المجد حريصا على هذا اللقب ، لانه برهان حبه للانسان.

+ البعد الكتابى :

وقد ورد لقب " ابن الإنسان " في العهد الجديد حوالي 83 مرَّة، فقد ورد في الإنجيل للقديس متى 30 مرَّة، وفي الإنجيل للقديس مرقس 13 مرَّة، وفي الإنجيل للقديس لوقا 25 مرَّة، وفي الإنجيل للقديس  يوحنا 12 مرَّة، ومرة واحدة فقط في سفر أعمال الرسل، ومرّتَين في سفر الرؤيا تحت عبارة "شبه ابن إنسان". مع ملاحظة أنَّ أغلب المرَّات التي ذُكِرَ فيها اللَّقب في الأناجيل الثلاثة الأولي هي تكرار لمواقف واحدة.

وقد تصوَّر بعض الكُتاب من غير المسيحيِّين ونُقَّاد المسيحيَّة أنَّ هذا اللَّقَب الذي استخدمه المسيح كلقبٍ خاصٍ به يدلّ فقط علي أنَّ المسيح مُجَرَّد إنسان لا أكثر ولا أقل!! وخاصَّة أنَّ هذا التعبير استُخْدِم في العهد القديم للمقارنة بين الإنسان واللَّه، ويشير إلي الإنسان، ابن آدم. في ضعفه، حيث يقول:

† "ليْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ وَلا ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ" (عدد23: 19) .

† "يا رَبُّ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْرِفَهُ أَوِ ابْنُ الإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَكِرَ بِهِ؟" (مز144: 3) .

† "مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ وَمِنِ ابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ كَالْعُشْبِ؟" (اش51: 12) .

فهل يدلّ هذا اللَّقب أو هذا التعبير علي أنَّ المسيح مُجَرَّد إنسان فقط، كما يزعم هؤلاء الكُتَّاب والنُقَّاد، دون دراسة اللَّقب وفهم مغزاه كما جاء في الكِتَاب المقدَّس، وبصفة خاصَّة علي لسان المسيح نفسه، وكما جاء في التقليد اليهوديّ السابق للمسيح والمعاصر له ؟!  أم يدلّ ويُؤَكِّد علي حقيقة تجسُّده ولاهوته كالإله المتجسِّد، اللَّه الظاهر في الجسد، كلمة اللَّه الذي صار جسدًا ؟!

وللإجابة علي هذا السؤال يجب أنْ ندرس ما جاء عنه في الأسفار الرؤوية في الكتاب المقدَّس وأهمُّها سفر دانيال في العهد القديم وسفر الرؤيا في العهد الجديد، وما جاء عنه في التقليد اليهوديّ السابق والمعاصر للربِّ يسوع المسيح، وما جاء عنه في المرَّة الوحيدة التي جاءت خارج الإنجيل بأوجهه الأربعة، في سفر أعمال الرسل، ثم ما جاء علي لسان الربِّ يسوع المسيح  نفسه.

أولا : مثل ابن الإنسان في سفر دانيَّال:

رأى دانيال النبي في أولي رؤياه التي رآها ودوَّنها في سفره بالروح القدُّس أربعة حيوانات خارجة من البحر الكبير والذي يمثِّل العالم ؛ الأول كالأسد وله جناحا نسر، والثاني مثل الدبِّ، والثالث مثل النمر وله علي ظهره أربعة أجنحة طائر كما كان له أربعة رؤوس، والرابع هائل وقويّ جدًا وله أسنان كبيرة من حديد وقد سَحَقَ الثلاثة السابقين عليه وداسهم برجليه، وكان له عشرة قرون طلع بينها قرن صغير له عيون كعيون الإنسان وكان يجدِّف علي اللَّه وعلي قدَّيسيه. وكانت هذه الحيوانات ترمز وتمثل الإمبراطوريَّات الأربعة التي سادت علي العالم من القرن السادس قبل الميلاد إلي القرن السادس عشر الميلادي، وهي بابل وفارس واليونان والرومان، كما كان يرمز القرن الصغير لضد المسيح الذي سيسبق المجيء الثاني.

وقد تلي هذه الرؤيا رؤيا أخري للعرش الإلهيّ حيث يجلس اللَّه كالقديم الأيام، أي الأزليّ الذي لا بداية له، في مشهد سمائيّ مَهِيب وحوله قدِّيسوه وقد فُتحت الأسفار، أي أسفار الدينونة (دا7: 1-12) .

ثم رأي دانيال النبيّ المشهد الثالث في هذه الرؤيا وهو مشهد "مثل ابن الإنسان" فيقول "كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ" (دا 7: 13-14).

وهنا نرى هذا الكائن السمائيّ الذي رآه دانيال النبيّ في شكل ابن إنسان "مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ" له عدَّة صفات لا يُمكن أنْ تكون لإنسانٍ أو ملاكٍ أو أي كائنٍ مخلوقٍ، إنما هي خاصَّة باللَّه وحده! فقد أُعطي:

1 -  سُلْطَانًا  : أى انه صاحب السلطان و ليس كأى سلطان لانه ابدى ما لن يزول.

2 - مَجْدًا : يكون له المجد و ليس اى مجد ،انه مجد سمائى من افواه السمائيين و ليس تدليسا ارضيا او نفاقا.

3 - مَلَكُوتًا : اى انه صاحب الملكوت الذى لا ينقرض  

4 – تكون له العبادة من الخليقة جميعا  " لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ ". والكتاب المقدَّس يُؤكِّد أنَّه لا سجود ولا عبادة إلاَّ للَّه وحده " الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ. " (تث6: 13؛10: 20) و" لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ " (مت4: 10) .

فمَنْ هو هذا الكائن السمائيّ الذي رآه دانيال النبي "مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ" الآتي علي سُحُب السماء؟

والإجابة هي أنَّه الربّ يسوع المسيح نفسه الآتي علي السحاب.

وهذا ما أكَّده الربّ يسوع المسيح نفسه عندما سأله رئيس الكهنة قائلا " أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! أَنَا هُوَ. "، و"وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ»" (مت 26: 63-64؛ مر62:14).. أى انه اكد على انه هو هذا الكائن الذى رآه دانيال النبى فى شبه ابن الانسان و تنبأ عنه.

فأنَّ جميع الأوصاف التي وُصف بها هذا الكائن السمائيّ الآتي مثل ابن الإنسان هي أوصاف الربّ يسوع المسيح نفسه فقد أعطي

1 - سلطاناُ ومجدًا وملكوتًا: والرب يسوع المسيح يقول عن نفسه " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ" (مت 28: 18)، " اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ." (يو3: 35)،

ويقول عنه الكتاب بالروح " وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هَذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" (أف1: 20-22).

2 – ان تتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة: والربّ يسوع المسيح يقول أنَّه الربّ المعبود:

"كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟" (مت7: 22).

3 – انه هو ملك الملكوت الذي قال " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. " (يو18: 36) ، فهو ليس مُجَرَّد ملكٌ أرضيّ بل، كما قال الكتاب " مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رؤ19: 16)، الذي " تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ "

ولذا قال الملاك للعذراء عندما بشَّرها بالحبل به " هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " (لو1: 32-33).

 

هل كان اليهود يفهمون المقصود من هذه المعانى فى لقب ابن الانسان ؟

الاجابة نعم ،كان اليهود وقت تجسُّد المسيح يعرفون من النبوًّات أنَّ ملكوت المسيح أبديّ، وإنْ كانوا قد فهموه بطريقةٍ أرضيَّةٍ، فقالوا له " سَمِعْنَا مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ " (يو12: 34)، ويقول عنه الكتاب أيضًا أنَّ ملكوته "لا يَتَزَعْزَعُ" (عب28: 12) .

كما ان رئيس الكهنة فهم كلام الرب يسوع جيدا ، فيصف لنا الكتاب المقدس ردة فعله كالاتى: "فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ!" (مت 26: 65).لماذا ؟ لان السيد المسيح أكد انه ابن الانسان الذى رآه دانيال فى رؤياه

كما كانت شكاية رؤساء الكهنة و اليهود عليه، لذلك "فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ." (يو 5: 18).

ثانيا : فى رؤيا القديس يوحنا :

وبعد قيامة الربّ يسوع المسيح وصعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي رآه القدِّيس يوحنَّا في مجده يُدَبِّر ملكوته ويَرْعَي كنيسته، رآه في صورة رؤويَّة كالإله المتجسِّد في مجده فيقول :

"فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلًا بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا.

فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلًا لِي: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ" (رؤ1: 7-18) .

ثم يراه مرَّة أخري كالديَّان الجالس علي عرش الدينونة "ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ" (رؤ14: 14) .

ثالثا : فى واقعة رجم القديس استيفانوس رئيس الشمامسة و اول الشهداء:

يقول الكتاب " فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ»". وهذا أدّي إلي رجمه "فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي»" (أع 7: 54-59) .

وهنا يرى القديس استفانوس المسيح "ابْنَ الإِنْسَانِ" قائمًا عن يمين العظمة في الأعالي كالربِّ القائم لرعاية شعبه وكنيسته والذي قَبِلَ روح إستيفانوس معه في الفردوس، كما سبق وقال للصِّ المصلوب معه "إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ" (لو23: 43). فابن الإنسان هو الربُّ الجالس عن يمين العظمة في الأعالي والقائم ليرعي شعبه ويُدَبِّر أمور خليقته والذي يقبل إليه أرواح المنتقلين الأبرار.

+ البعد التاريخى :

يهمنا ان نفهم البعد التاريخى لتعبير ابن الانسان فى التقليد اليهودي المعاصر للمسيح.

علي الرغم من عبارة "ابن الإنسان" لم تردْ في التلمود اليهوديّ والذي كُتِبَ بعد المسيح بمئات السنين إلاَّ أنَّ كثيرين من الربِّيِّين اليهود فسَّروا نبوَّة دانيَّال النبيّ عن ابن الإنسان علي أنَّها خاصَّة بالمسيح الآتي والمنتظر.

وقد ورد لقب ابن الإنسان في ثلاثة مراجع أخري خارج الكتاب المقدّس، في التقليد اليهوديّ المعاصر للمسيح، وهي سفر أخنوخ الأوَّل الأبوكريفي، وسفر عزرا الرابع الأبوكريفي، وكتابات فيلو الفيلسوف اليهوديّ الإسكندريّ المعاصر للمسيح. و جاءت كلَّها متأثِّرة بما جاء في سفر دانيَّال النبيّ :

 أولا: سفر أخنوخ الأول:

استخدم هذا السفر المكتوب في القرنين الأوَّل قبل الميلاد والأوَّل بعد الميلاد، في جزئه الثاني المعروف بالخطب الأخرويَّة أو أمثال أخنوخ (في الإصحاحات من 37 إلى71)، عبارة ولقب "ابن الإنسان" مرَّات عديدة عن كائنٍ أسمي من الملائكة والبشر دعاه أيضًا بـ"المختار Elect"، وقد وصفه بصفات تتطابق كثيرًا مع صفات "مثل ابن الإنسان" في سفر دانيال النبي:

+ فقال في الإصحاح 39 "رأت عيناي مختار الحق والإخلاص، العدالة ستسود في زمنه، والأبرار والمختارون، الذين لا يُحْصَي عددهم (سيمتثلون) أمامه.. والأبرار والمختارون كانوا كلَّهم أمامه بمثل جمال نور النار.. بحضوره لن تهلك العدالة أبدًا، ولن يفني الحق بوجوده" (6 و7).

+ هذا المختار سيجلس علي عرش المجد "سيجلس مختاري على عرش المجد وسيصنف أعمالهم" (3:45).

+ كما يصفه أيضًا بالذي ينتمي إليه الحق "فسألت حول ابن الإنسان هذا أحد الملائكة القديسين الذي كان يرافقني ويبيِّن لي الأسرار كلها: " من هو؟ ومن أين جاء؟ ولماذا يرافق مبدأ الأيام؟ " فأجابني: "إنَّه ابن الإنسان الذي ينتمي إليه الحقّ، وقد أقام العدل معه، وهو الذي سيكشف كنز الأسرار كلَّه.. ابن الإنسان هذا الذي رأيته سيرفع الملوك والجبابرة من مضاجعهم، والأقوياء من مقاعدهم سيفصم روابط الأقوياء وسيسحق أسنان الخطاة. سيطرد الملوك من عروشهم ومن ممالكهم لأنّضهم لا يُسبّحونه ولا يمجّدونه ولا يعترفون من أين جاءهم الملك. سيخفض وجوه الأقوياء، ويملؤها بالخجل" (1:46-4).

+ ثم يصفه في بقيَّة الإصحاحات كنورِ الأمم الموجود قبل الخليقة والذي سيسجد له جميع سكان الأرض "و(لفظ) اسمه بحضور مبدأ الأيام. قبل أنْ تُخلق الشمس والإشارات، قبل أنْ تُصنع نجوم السماء، كان اسمه قد أُعلن بحضور ربّ الأرواح. سيكون عصا للأبرار، وسيتكئون عليه بلا خوف من التعثّر. سيكون نور للأمم، سيكون أمل للذين يتألمَّون في قلبهم. أمامه سينحني ويسجد جميع سكان الأرض" (2:48-5). ثم يُؤكِّد بعد ذلك أنَّه أُعطي ابن الإنسان هذا كل الدينونة (27:69-29)، وأنَّه سيجلس علي عرش اللَّه (1:51-3؛6:61-8)

ثانيا : سفر عزرا الرابع:

والذي كُتب قبل الميلاد، ويتكلَّم عن ابن الإنسان المهيب الرهيب الخارج من البحر، والذي يصفه بقوله "ونظرت [وإذا بهذه الريح تُصعد من قلب البحر كائنًا كان مثل إنسان، ونظرت وإذا] بهذا الإنسان يطير مع سحب السماء وحيث كان يدير وجهه لينظر كان كل ما يقع عليه نظره يرتجف". ثم يصفه بالجبار المهيب الذي يبيد الأشرار بنفخة فمه ويضم إليه الأبرار (1:13-13).

ثالثا :الفيلسوف اليهودي الإسكندري فيلو المعاصر للمسيح:

هذا الرجل وصف ابن الإنسان بنفس الصفات المذكورة في سفر دانيَّال النبيّ ويقترب كثيرًا مما جاء عن ابن الإنسان علي لسان الربّ يسوع المسيح، ولكنه لا يعترف أنَّه يسوع الناصري.

+ لماذا استخدام السيد المسيح لقب ابن الانسان؟:

استخدمه السيد المسيح ليبين لنا أنَّه هو المسيح، المسيَّا، الآتي والمنتظر كالإله المتجسِّد، الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته:

(1) ابن الإنسان الذي هو رب الملائكة ؛ يقول الكتاب لما رأى الرب يسوع المسيح " نَثَنَائِيلَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ فَقَالَ عَنْهُ: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقًّا لاَ غِشَّ فِيهِ». قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ». فَقَالَ نَثَنَائِيلُ: «يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» أَجَابَ يَسُوعُ: «هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!» وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ»." (يو1: 47-51).

(2) ابن الإنسان الكلي الوجود، الموجود في كل مكان : في حديثه مع نيقوديموس أحد قادة اليهود قال الربّ يسوع المسيح " وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ." (يو3: 13). وهنا يُؤكِّد أنَّه الموجود في كلِّ مكان في السماء وعلي الأرض في آنٍ واحدٍ، فهو ابن الإنسان النازل من السماء والصاعد إلي السماء والموجود في نفس الوقت في السماء. وقد أكَّد ذلك أيضًا في قوله لليهود " فَإِنْ رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِدًا إِلَى حَيْثُ كَانَ أَوَّلًا!" (يو6: 62).

(3) ابن الإنسان هو ابن الله الذي له كل ما لله الآب من صفات وألقاب ويعمل جميع أعمال الله: يقول الكتاب " فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللَّهِ. فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ. لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ وَسَيُرِيهِ أَعْمَالًا أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ.

لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ.. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. " (يو5: 17-27).

(4) ابن الإنسان النازل من السماء ليعطي الحياة الأبدية: قال الربّ يسوع المسيح " اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ لأَنَّ هَذَا اللَّهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ» .. لأَنَّ خُبْزَ اللَّهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ». فَقَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هَذَا الْخُبْزَ». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا. وَلَكِنِّي قُلْتُ لَكُمْ إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ.. لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. "(يو6: 27-38).

(5) ابن الإنسان هو ابن الله الحي: يقول الكتاب " وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا: «قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ وَآخَرُونَ إِيلِيَّا وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. " (مت16: 13-18) .

(6) ابن الإنسان هو رب الملائكة والبشر الذي سيأتي على السحاب عند نهاية العالم ليدين المسكونة بالعدل ويجازي كل واحد بحسب أعماله " فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ" (مت16: 27).

† " اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ». وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.. وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلًا: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا . فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا وَلاَ تَخَافُوا». فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ. وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلًا: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ»." (مت 16: 28؛17: 1-9) .

† "مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاِثْنَيْ عَشَرَ" (مت19: 28) .

† "يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ." (مت13: 41-43) .

† "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ هَكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ.. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا." (مت24: 27-31) .

† " وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ:تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ...«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ.. فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ»." (مت25: 31-46) .

(7) ابن الإنسان غافر الخطايا:

† "وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجًا يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ ..فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ؟» فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هَكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ:.. أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا» - قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ». فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلِّ حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللَّهَ قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا قَطُّ!». " (مر2: 3-13). وهنا يؤكِّد أنَّه يملك السلطان لغفران الخطايا، في حين أنَّه لا يغفر الخطايا إلاَّ اللَّه وحده مؤكدًا حقيقة لاهوته.

(8) ابن الإنسان هو الفادي الذي جاء ليبحث عن الضالين وليبذل نفسه، كالإله المتجسد، عن خطايا العالم، لذا يقول عنه الكتاب أنَّه رب المجد الذي صلب "لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ." (1كو2: 8)، واللَّه الذي فدي الكنيسة بدمه " كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ." (أع20: 28)؛ والذي انتصر علي الموت انتصارًا نهائيًا بقيامته من الأموات. وكانت آلامه وصلبه وموته حتميَّة " لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ." (مت18: 11)." أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ " (مت20: 28):

"وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلَ وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ." (مر8: 31).

 (9) ويقول عن الإيمان به كابن الإنسان، نفس العبارات التي قالها عن الإيمان به كابن الله الوحيد.

قال "وكما رفع موسى الحية في البرية، ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 14- 16).

هكذا نجد انه دعا نفسه ابن الإنسان لأنه سينوب عن الإنسان في الفداء.

إنه لهذا الغرض قد جاء، يخلص العالم بأن يحمل خطايا البشرية، وقد أوضح غرضه هذا بقوله "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك" (مت18: 11).

فإن حكم الموت صدر ضد الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وقد جاء المسيح ليموت بصفته ابنًا للإنسان المحكوم عليه بالموت. لهذا نسب نفسه إلى الإنسان عمومًا.

ان السيد المسيح لقب نفسه ب ابن الإنسان، أو ابن البشر. وبهذه الصفة ينبغي أن يتألم ويصلب ويموت ليفدينا. ولهذا قال "ابن الإنسان سوف يسلم لأيدي الناس، فيقتلونه، وفى اليوم الثالث يقوم" (مت17: 23، 24) (مت26: 45).

 

الى هنا اعاننى السيد المسيح.

اذكرونى فى صلواتكم

باحث اكليريكى / مينا ثروت قلادة

 

المراجع :

كتاب لقب ابن الإنسان: هل يدل على أن المسيح إنسان فقط؟! - القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كتاب من هو يسوع الناصرى – القمص الدكتور بيشوى حلمى

عقائدنا المسيحية الارثوذكسية – القمص الدكتور بيشوى حلمى

كتاب سنوات مع أسئلة الناس أسئلة لاهوتية وعقائدية " أ " لقداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث

اللاهوت العقيدى الجزء الاول – لاهوت السيد المسيح ص ( 668 – 671) لنيافة الانبا غريغوريوس

مخطوطات قمران – البحر الميت" ج2: 45- 56, مع H.F.D. Sparks The Apocryphal O T p. 221-257

تفسير الكتاب المقدس – أبونا تادرس يعقوب ملطى

تفسير الكتاب المقدس – ابونا انطونيوس فكرى

موقع القديس تكلا هيمانوت القبطى الارثوذكسى

المزيد في هذه الفئة : « مقدمات عن أسرار الكنيسة السبعة