التعليم الخريستولوجى (علم طبيعة المسيح) فى كتابات القديس كيرلس الاسكندرى

ان اهتمامنا فى هذا البحث سيكون على التعاليم الخريستولوجية عند القديس كيرلس الكبيرالتى هي امتداد لتعاليم آباء الاسكندرية عامة، فالأساس الخريستولوجي ( علم طبيعة المسيح ) هو دعامة لكل شروحاته، وأيضًا صياغاته للعقيدة، فالمسيح ظل بعد التجسد هو الواحد -الله- اللوغوس. وبالتجسد اتحدت الطبيعة الإلهية بالإنسانية بغير اختلاط أو تغيير، وهذه الوحدة بين الطبيعتين في شخص المسيح ليست مجرد اعتراف نظري، بل هي حدث واقعي في تاريخ التدبير الإلهي وأساس التفسير الصحيح للكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة.

القديس كيرلس الكبير البطريرك الاسكندرى رقم 24 ، لقب بـ"عمود الدين" و"مصباح الكنيسة الأرثوذكسية وتعتبر كتاباته من أعظم ما ورد في الأدب المسيحي المبكر، فهي تكشف عن عمق في الفكر، وغنى في الآراء، وتحمل براهين ثمينة وواضحة تؤكد ما للكاتب من قدرة على البصيرة والجدل تجعل كتاباته من المصادر الأولى لتاريخ العقيدة والتعليم الكنسي.

كرّس كتاباته للتفسير والجدل ضد الأريوسيين حتى سنة 428 م.، بعد هذا تحوّلت بالكامل إلى تفنيد الهرطقة النسطورية.

و ان اهتمامنا فى هذا البحث سيكون على التعاليم الخريستولوجية عند القديس كيرلس الكبيرالتى هي امتداد لتعاليم آباء الاسكندرية عامة، فالأساس الخريستولوجي هو دعامة لكل شروحاته، وأيضًا صياغاته للعقيدة، فالمسيح ظل بعد التجسد هو الواحد -الله- اللوغوس. وبالتجسد اتحدت الطبيعة الإلهية بالإنسانية بغير اختلاط أو تغيير، وهذه الوحدة بين الطبيعتين في شخص المسيح ليست مجرد اعتراف نظري، بل هي حدث واقعي في تاريخ التدبير الإلهي وأساس التفسير الصحيح للكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة.

و سنستعرض في هذا البحث التعاليم الخريستولوجيا فى رسائل القديس كيرلس الى نسطور كمثال لهذه التعاليم.

 

سيرة القديس كيرلس الكبير:

نشأته و حياته قبل البطركية

ولد القديس كيرلس حوالي سنة 375م بالأسكندرية . وهو ابن أخت البابا ثاوفيلس بطريرك الأسكندرية الـ23 .

تعلم كيرلس في الأسكندرية برعاية البطريرك ثاوفيلس ، وواظب على حضور اجتماعات الكنيسة اليومية حيث كان الكهنة والشمامسة يعلمون الشعب أصول الإيمان.

 قضي كيرلس حوالي خمس سنوات في برية شيهيت (394ـ399). وكان عمره حين ذهب للبرية حوالي عشرين سنة ، وهناك قرأ العهدين القديم والجديد على يدي الأب سرابيون الشيخ خليفة القديس مقاريوس الكبير ، وربما يشير القديس كيرلس إلى هذه الفترة من حياته بقوله : ” منذ الصغر تعلمنا الكتب المقدسة على أيدي آباء أرثوذكس وقديسين ” كان كيرلس يحفظ النص بمجرد قراءته مرة واحدة . وكان يقضي الليل ساهرًا يحفظ الكتب المقدسة لكي يسمّع في الصباح ما حفظه أمام أبيه الروحي .وقد تقابل كيرلس مع القديس مقاريوس الأسكندري قبل نياحته في سنة 394م .

وحضر كيرلس دروس المدرسة اللاهوتية بالأسكندرية على يدي ديديموس الضرير ثم استدعاه خاله البطريرك ثاوفيلس ليكون شماسًا معه في الأسكندرية ورسمه قارئًا وطلب منه أن يشرح الكتب المقدسة للشعب .

وبدأ يظهر نبوغه ومقدرته في التعليم وشرح الكتب المقدسة. وفي سنة 403م أخذه البطريرك ثاوفيلس معه إلى القسطنطينية حيث اشترك كشماس في أعمال مجمع السنديانة الذي عزل القديس يوحنا ذهبي الفم وفي سنة 404م (أعاد القديس كيرلس ذكر اسم القديس يوحنا ذهبي الفم في قائمة الآباء القديسين الذين تذكرهم الكنيسة في صلاة المجمع في القداس ، وكان إجراء إلغاء الحرم على ذهبي الفم بتأثير القديس إيسيذوروس الفرمي سنة 417م ).

سيم كيرلس قسًا بكنيسة الأسكندرية وانطلق يعظ ويعلم الشعب ويفسر الكتب المقدسة ، ويوضح من خلالها تعليم الإيمان الصحيح ، وبدأت تظهر في تلك الفترة موهبته التعليمية وشخصيته الروحانية

درس القديس كيرلس مؤلفات آباء الأسكندرية مثل أوريجينوس ، وأثناسيوس ، وديديموس الضرير. كما أطلع أيضًا على مؤلفات القديسين باسيليوس القيصري وغريغوريوس النيزينزي .

 كما درس القديس كيرلس اللغات القديمة الشائعة في أيامه وهي العبرية والسريانية ولكنه كتب باليونانية وربما القليل بالقبطية .

 

اختياره بطريركًا للاسكندرية

لما خلا الكرسي البطريركي بنياحة الأنبا ثاوفيلس في 15 أكتوبر سنة 412م اتجهت أنظار الجميع إلى القديس كيرلس ابن شقيقته . وعبثًا حاول الوالي ابوداكس أن يثني الشعب عن انتخابه ، وعبثًا هددهم فلم يخضعوا ولم يرهبوا إذ كانوا متيقنين أن كيرلس هو الشخص الوحيد الذي يصلح لرعاية كنيسة الأسكندرية بعد البطريرك ثاوفيلس . فتم انتخابه وقام الأساقفة برسامته أسقفًا للأسكندرية وبطريركًا لكرازة مار مرقس رقم 24 في نفس السنة وله من العمر حوالي 38 سنة.

واصل البطريرك كيرلس جهاده في تعليم المؤمنين بالوعظ وتفسير الكتب المقدسة ، وتعليمهم أصول الإيمان المستقيم ، وكان ينبه الشعب لكي يحذروا من تأثير الكتابات الوثنية التي لم تكن بقاياها قد تلاشت تمامًا بعد.

وابتداء من 428م بدأ القديس كيرلس يظهر كعلامة بارزة وعامل حاسم في تاريخ العقيدة الأرثوذكسية وتاريخ العلاقات الكنسية ، وذلك بظهور هرطقة نسطوريوس بطريرك القسطنطينية إذ قام كيرلس بدور المدافع الأول عن الأرثوذكسية ضد البدعة النسطورية .

كان نسطوريوس يؤكد في عظاته بكنيسة القسطنطينية أنه يوجد شخصان في المسيح شخص إلهي هو اللوغوس الكلمة ، الذي يسكن في شخص إنسان هو الإنسان يسوع وأن العذراء القديسة مريم لا يمكن أن تدعي " والدة الإله ثيئوطوكوس  "Θεοτόκος

وقد رد القديس كيرلس على تعاليم نسطوريوس هذه ابتداء من ربيع 329م  في رسالته الفصحية لتلك السنة . وحدثت مراسلات بين البطريرك كيرلس والبطريرك نسطوريوس منذ ذلك الحين، انتهت بانعقاد مجمع أفسس المسكوني الثالث سنة 431م الذي دعا إليه الإمبراطور ثاؤدوسيوس الصغير .

وحكم المجمع بعزل نسطوريوس وحرمه لانحراف إيمانه وإصراره على أفكاره غير المستقيمة .

وثبت المجمع المسكوني حروم القديس كيرلس الأثني عشر التى سنأتى اليها بالتفصيل لانها تمثل الفكر الخريستولوجى للبابا كيرلس الكبيرالتى تمثل المحور الرئيسى فى هذا البحث. كما حكم على تعاليم نسطوريوس بالضلال .

وأيد استعمال لقب “ثيئوطوكوس Θεοτόκος (أي) والدة الإله ” للعذراء مريم . وهذا اللقب كان استخدامًا قديمًا سابقًا على ظهور البدعة النسطورية بكثير .

وقد تعرض القديس كيرلس للسجن لعدة شهور أثناء فترة وجوده في أفسس بسبب دفاعه عن الإيمان . وعند عودته إلى الأسكندرية في 30 أكتوبر سنة 431م ، استُقبل في الأسكندرية استقبال الأبطال ، إذ نظر إليه المؤمنين على أنه أثناسيوس جديد وهكذا لقبه الأقباط بلقب ” عمود الدين “ وبعد كفاح طويل وصمود شامخ في الدفاع عن الإيمان ضد أخطر بدعتين تمسان الإله المتجسد يسوع المسيح وهما الآريوسية والنسطورية .

وبعد جهاد متواصل وسهر ويقظة روحية في رعاية المؤمنين وتعليمهم وحفظهم في الإيمان المستقيم ، رقد القديس كيرلس في الرب في يوم 3 أبيب سنة 160 ش الموافق 10 يوليو 444م

 

 

كتابات القديس كيرلس :

القديس كيرلس هو واحد من أعظم رموز الفكر المسيحي في القرون الأولي . فكتاباته تملأ عشرة مجلدات ضخمة من مجموعة Migne اليونانية (مجلدات من 68 إلى 77 Mg أي ما يعادل حوالي 150 كتاب كل منها 100 صفحة حجم متوسط أو يزيد) وذلك حتى بعد أن فُقد الكثير من كتاباته . وقد بدأت ترجمة كتاباته من اليونانية إلى لغات أخرى وهو لا يزال على قيد الحياة مثل :

  1. ” ماريوس مركاتور Marius Mercator ” الذى ترجم بعض كتاباته إلى اللاتينية
  2. ” رابولا الرهاوي ” الذى ترجم بعضها إلى اللغة السريانية
  3. ثم ظهرت ترجمات أرمينية وقبطية ثم عربية لبعض كتاباته .

 

وتتميز كتابات القديس كيرلس بالعمق وثراء الأفكار ، والدقة والوضوح في النقاش مما يثبت موهبته التأملية والجدلية ، ومما يجعل من كتاباته من مصادر الدرجة الأولي في الأهمية لتاريخ العقيدة والتعليم الإيماني .

ودرج علماء الآباء على تقسيم كتابات القديس كيرلس إلى مرحلتين :

المرحلة الأولي : تنتهي بظهور البدعة النسطورية سنة 428م ، وهذه المرحلة كانت مكرسة لتفسير أسفار الكتاب المقدس بعهديه والدفاع عن الإيمان ضد البدعة الآريوسية .

المرحلة الثانية : تبدأ من سنة 428م بظهور البدعة النسطورية وتنتهي بنياحة القديس كيرلس ، ومعظم كتابات هذه المرحلة مكرسة للدفاع عن التعليم الصحيح في التجسد ، ضد البدعة النسطورية .

و تتنوع كتاباته على النحو التالى:

أ ـ الكتابات التفسيرية : لأسفار العهدين القديم والجديد ، وتشكل الجزء الأكبر من إنتاجه اللاهوتي حيث تشغل شروحاته على أسفار العهد القديم خمس مجلدات بينما تشغل شروحه للعهد الجديد مجلدين  وأهم شروحه للعهد الجديد هو شرحه لإنجيل القديس يوحنا، وتفسيره لإنجيل لوقا الذى لم يبق من الأصل اليوناني سوى 3 عظات كاملة وبعض شذرات متفرقة ، وعدة أجزاء من تفاسير مفقودة للقديس كيرلس على رسالة رومية وعلى رسالتي كورنثوس ،وعلى الرسالة إلى العبرانيين وعلى إنجيل متى .

ب ـ كتاباته العقيدية ـ الدفاعية ضد الآريوسيين    كتابين هما :

1. الكنز في الثالوث   -         . 2حوارات حول الثالوث

ج ـ كتاباته العقيدية ـ الدفاعية ضد النسطورية :وهي ثمانية كتب :

  1. ضد تجاديف نسطوريوس
  2. قاعدة الإيمان
  3. الحروم الأثني ضد نسطوريوس
  4. شرح تجسد الابن الوحيد
  5. ضد من ينكرون أن العذراء مريم هي والدة الإله
  6. ضد ديودوروس الطرسوسي وثيئودوروس أسقف المصيصة معلمي نسطوريوس .
  7. المسيح واحد : وهو حوار حول وحدة شخص المسيح .
  8. الاحتجاج لدي الإمبراطور ثاؤدوسيوس الصغير .

د ـ الرد على كتب يوليانوس الجاحد ضد المسيحيين : يرجح أنه كتب بين سنتي 433و441م .

هـ ـ الرسائل الفصحية : وعددها 29 رسالة للسنوات من 414 إلى 442

و ـ العظات : لم يتبق من كل العظات التي ألقاها القديس كيرلس طوال سنين بطريركيته الطويلة (412 إلى 444) سوى 22 عظة ، وقد وضعها الناشرون تحت عنوان ” عظات متنوعة ” للتمييز بينها وبين العظات الفصحية أو الرسائل الفصحية العظات الثمانية الأولي من هذه المجموعة ألقاها القديس كيرلس في صيف سنة 431م أثناء انعقاد مجمع أفسس المسكوني ، العظة رقم 4 هي العظة الشهيرة جدًا عن والدة الإله التي ألقاها في كنيسة القديسة مريم بأفسس في 23 يونية 431م

ز ـ الرسائل : عدد كبير من مراسلات القديس كيرلس لا تزال باقية هذه الرسائل هامة جدًا بالنسبة لتاريخ ” الكنيسة والدولة ” وبالنسبة للتعليم الكنسي ، والقانون الكنسي ، وللعلاقات بين الشرق والغرب والتنافس القائم بين المدارس اللاهوتية والكراسي الأسقفية :

1 ـ رسالة رقم 55 تحوي شرحًا لقانون الإيمان .

2 ـ بينما هناك 3 رسائل لها الأهمية الأولي في تاريخ العقيدة المسيحية وهي الرسالتان الثانية والثالثة إلى نسطوريوس (رقم4 ورقم17) والرسالة إلى يوحنا الأنطاكي (رقم39) . هذه الرسائل الثلاثة تسمي الرسائل المسكونية . رسالة رقم (4) سميت بالرسالة العقائدية . وقد اعتمدها مجمع أفسس بالإجماع في جلسته الأولي في 22 يونيو 431م وشهد لها الجميع بأنها تتفق تمامًا مع قانون إيمان مجمع نيقية. ورسالة رقم (17) تحوي الحروم الأثني عشر وقد ضمت إلى أعمال مجمع أفسس المسكوني ، وقد اعتمدها مجمع خلقيدونية أيضًا فيما بعد سنة 451م أما الرسالة رقم 39 والتي سميت ” قانون إيمان أفسس ” فتحوي بيان الإيمان بخصوص طبيعة المسيح الذي على أساسه تم الاتحاد بين يوحنا الأنطاكي وكنيسة أنطاكية من جهة وبين القديس كيرلس وكنيسة الأسكندرية من جهة أخرى سنة 433م بعد انشقاق استمر سنتين بعد مجمع أفسس المسكوني ، ولذلك سميت ” رسالة الاتحاد ” .

ح – طور ليتورجيا القديس مارمرقس الرسول

 

التعليم الخريستولوجى لدى القديس كيرلس الكبير:

التعاليم الخريستولوجيا من خلال رسالتى القديس كيرلس الثانية الى نسطور رقم 4 والرسالة الثالثة الى نسطور رقم 17

أولا :الرسالة الثانية رقم 4 من القديس كيرلس إلى نسطور

التى  أطلق عليها اسم "الرسالة العقائدية " وقد تمت الموافقة عليها بالإجماع في الجلسة الأولى لمجمع أفسس المسكوني الثالث في 22 يونيو 431 م، ووافق عليها ليون بابا روما سنة 450م، وأقرها أيضًا مجمع خلقدونية 451م، ومجمع القسطنطينية 553 م. و تحمل العديد من التعاليم الخريستولوجية التى منها :

  • الالتزام بتعاليم الاباء القديسين باعتبارهم قيمة عظيمة، فيقول

وأذكِّرك الآن، كأخ في المسيح، أن تكرز بالعقيدة والإيمان للشعب بكل حذر. عليك أن تدرك إن إعثار واحد فقط من الصغار المؤمنين بالمسيح (أنظر مت18: 6)، له عقاب لا يحتمل. فإن كان عدد المتضررين كثيرًا بهذا المقدار، أفلا نكون في حاجة إلى مهارة تامة لإزالة العثرات بفطنة وشرح التعليم الصحيح بالإيمان لأولئك الذين يبحثون عن الحق؟ إن كنا نلتزم بتعاليم الآباء القديسين، وكنا جادين في اعتبارهم ذوى قيمة عظيمة، ونمتحن أنفسنا "هل نحن في الإيمان" (أنظر 2كو13: 5) كما هو مكتوب في الكتب، فسوف نشكل أفكارنا حسنًا جدًا لتطابق آراءهم المستقيمة وأحكامهم التي بلا لوم.

  • المجمع المقدس العظيم ( نيقية) اقر ان الابن الوحيد الجنس نفسه المولود من الله الاب حسب الطبيعة فيقول :

" ولذلك قال المجمع المقدس العظيم (أي مجمع نيقية) أن الابن الوحيد الجنس نفسه، المولود من الله الآب بحسب طبيعته، الإله الحق من إله حق، النور الذي من النور، الذي به صنع الآب كل الأشياء، قد نزل، وتجسد وتأنس، وتألم، وقام في اليوم الثالث وصعد إلى السموات. وينبغي علينا أن نتبع هذه التعاليم والعقائد"

  • معنى التجسد
  • وأنها تعنى بوضوح أن الكلمة الذي من الله، صار إنسانًا
  • لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيرت حينما صار جسدًا. كما أننا لا نقول أن الكلمة قد تغير إلى إنسان كامل من نفس وجسد
  • أن الكلمة حينما وحَّد لنفسه أقنوميًا جسدًا محيًا بنفس عاقلة، صار إنسانًا بطريقة لا توصف ولا تدرك.
  • هو قد دعى ابن الإنسان ليس بحسب الرغبة فقط ولا بحسب الإرادة الصالحة، ولا باتخاذه شخصًا فقط.
  • فأنه على الرغم أن الطبيعتين اللتين اجتمعتا معًا في وحدة حقيقية مختلفتان، فهناك مسيح واحد وابن واحد من الاثنين.
  • إن اختلاف الطبائع لم يتلاشى بسبب الاتحاد، بل بالحري فإن اللاهوت والناسوت كونا لنا ربًا واحدًا يسوع المسيح وابنًا واحدًا بواسطة هذا الاتحاد الذي يفوق الفهم والوصف.

 

  • لقد ولد حسب الجسد من امرأة
  • بالرغم أن له وجودًا قبل الدهور وقد ولد من الآب، فإنه يقال عنه أيضًا إنه ولد حسب الجسد من امرأة.
  • إن طبيعته الإلهية لم تأخذ بدايتها من العذراء القديسة، كما أنها لا تحتاج بالضرورة إلى ولادة أخرى لصالحها بعد الولادة من الآب.
  • من الحماقة أن نقول أن ذاك الموجود قبل كل الدهور والأزلى مع الآب يحتاج إلى بداية ثانية لوجوده.
  • ولكنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا قد وحَّد الطبيعة البشرية بنفسه أقنوميًا، وولد من امرأة، فإنه بهذه الطريقة يقال أنه قد ولد بحسب الجسد.
  • لأنه لم يولد إنسانًا عاديًا من العذراء القديسة ثم بعد ذلك حل عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد في أحشائها،لذلك يقال أن الكلمة قد قبل الولادة بحسب الجسد، لكي ينسب لنفسه ولادة جسده الخاص.

 

  • يوضح كيف ان كلمة الاب يتألم و يعانى و يقبل الموت ،و يقوم فيقول :
  • نقول أنه تألم أيضًا وقام ثانيةً، ليس أن كلمة الله تألم في طبيعته الخاصة، أو ضرب أو طعن أو قبل الجروح الأخرى، لأن الإلهي غير قابل للألم لأنه غير مادي. لكن حيث أن جسده الخاص الذي ولد، عانى هذه الأمور، فإنه يقال أنه هو نفسه أيضًا قد عانى هذه الأمور لأجلنا.
  • ان غير القابل للآلام كان في الجسد الذي تألم. وبنفس الطريقة نفكر أيضًا في موته. فكلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطى الحياة .ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس (أنظر عب 2 : 9)، لذلك يقال أنه هو نفسه قد عانى الموت لأجلنا لأنه فيما يخص طبيعة الكلمة، فهو لم يختبر الموت ولكن، كما قلت، فإن جسده ذاق الموت.
  • هكذا أيضًا بقيامة جسده، يقال أيضًا أنه قام، ليس كما لو كان قد تعرض للفساد، حاشا، بل أن جسده قام ثانية.

 

  • الله ليس له ابنين بل ابن واحد بواسطة اتحاده بجسده الخاص فى اتحاد اقنومي
  • نحن نعترف بمسيح ورب واحد، ليس أننا نعبد إنسانًا مع الكلمة،حتى لايظهر أن هناك انقسام باستعمال لفظة "مع".
  • ولكننا نعبد نفس الرب الواحد لأن جسده ليس غريبًا عن الكلمة، وفي اتحاده به يجلس عن يمين أبيه.
  • نحن لا نقول أن ابنين يجلسان بجانب الآب، بل ابن واحد بواسطة اتحاده بجسده الخاص. ولكن إذا رفضنا الاتحاد الأقنومي سواء بسبب تعذر إدراكه، أو بسبب عدم قبوله، نسقط في التعليم بابنين.
  • يجب ان نميز فى القول بأنه كإنسان إذ نفكر فيه منفصلًا، كان يكرم بطريقة خاصة بواسطة لقب "الابن"، وأيضًا كلمة الله منفصلًا، هو بطريقة خاصة يملك بالطبيعة كلًا من اسم البنوة وحقيقتها. لذلك فإن الرب الواحد يسوع المسيح لا ينبغي أن يقسم إلى ابنين.

 

  • العذراء هى والدة الاله بحسب تسمية الاباء القديسين لها
  • أن الكتاب لم يقل أن الكلمة قد وحد شخصًا من البشر بنفسه، بل أنه صار جسدًا (يو 1: 14)
  • والكلمة إذ قد صار جسدًا هذا لا يعنى إلا أنه اتخذ دمًا ولحمًا مثلنا.
  • إنه جعل جسدنا خاصًا به، وولد إنسانًا من امرأة دون أن يفقد لاهوته ولا كونه مولودًا من الله الآب، ولكن في اتخاذه جسدًا ظل كما هو.
  • إن تعليم الإيمان الصحيح في كل مكان يحتفظ بهذا. و أن الآباء القديسين قد فكروا بهذه الطريقة. وهكذا لم يترددوا في تسمية العذراء القديسة بوالدة الإله.
  • لم يقولوا أن طبيعة الكلمة أو لاهوته أخذ بداية وجوده من العذراء القديسة، بل أن جسده المقدس، المحيا بنفس عاقلة، قد ولد منها، وفي اتحاد الكلمة به (نفس وجسد) أقنوميًا، حقًا يقال أن الكلمة ولد حسب الجسد.

 

ثانيا: الرسالة الثالثة رقم 17 من القديس كيرلس إلى نسطور.

عقد البابا كيرلس مجمعًا في الإسكندرية (430 م) واعتمد المجمع نص رسالة البابا كيرلس الثالثة إلى نسطور وهي التي تتضمن الحروم الاثني عشر ومطالبة نسطور بالاعتراف بها وسوف نورد التعاليم الخريتولوجية التى وردت بها و هى :

  • قيمة التسليم الرسولى فى الكنيسة

اختر وعَلِّم بالإيمان الصحيح المُسَلَّم للكنائس من البدء بواسطة الرسل القديسين والبشيرين الذين كانوا معاينين وخدامًا للكلمة وإلا فاعتبر نفسك بلا وظيفة أو وضع رسمي أو مكانة معنا ضمن كهنة الرب والأساقفة

  • قانون الايمان النيقاوى وضع بالروح القدس فيقول

 لن يكون كافيًا لتقواك أن تعترف معنا فقط بقانون الإيمان الذي وُضِع بالروح القدس بواسطة المجمع المقدس العظيم المجتمع في مدينة نيقية أثناء الأزمنة الحرجة. لأنك لم تفهمه ولم تفسره تفسيرًا صحيحًا، بل بالحري بطريقة منحرفة، حتى وإن كنت تعترف بنص القانون بشفتيك

  • يؤكد على نص قانون الايمان بحسب مجمع نيقية

هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة الرسولية الذي يتفق عليه كل الأساقفة مستقيمو الرأي في الغرب والشرق:

نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل خالق كل ما يُرى وما لا يُرى، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب أي من نفس جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، له نفس الجوهر مع الآب، الذي به كان كل شيء ما في السماء وما على الأرض، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل، وتجسد، وتأنس، وتألم، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات، وسوف يأتي ليدين الأحياء والأموات، ونؤمن بالروح القدس.

 

  • الجسد لم يتحول الى طبيعة االلاهوت و لا طبيعة كلمة الله تحولت الى الجسد

ولكن بالنسبة لِمَنْ يقولون:

  • كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودًا
  • أو أنه لم يكن موجودًا قبل أن يولد،
  • أو أنه خُلِقَ من العدم،
  • أو أن ابن الله من طبيعة أو جوهر مختلف،
  • ويقولون أنه عُرضة للتبدل أو التغير،

          فأولئك تحرمهم الكنيسة الجامعة الرسولية.

 

  • تجسد و تأنس : أى أخذ جسدًا من العذراء القديسة، وجعله خاصًا به من الرحم، واجتاز في الولادة مثلنا، وولد كإنسان من امرأة
  • فيقول أن: كلمة الله الابن الوحيد، المولود من نفس جوهر الآب، إله حق من إله حق، نور من نور، الذي به كان كل شيء، ما في السماء وما على الأرض،
  • وإذ نزل لأجل خلاصنا، وتنازل إلى إخلاء نفسه (انظر في 2: 7-8)،
  • فإنه تجسد وتأنس، أي أخذ جسدًا من العذراء القديسة، وجعله خاصًا به من الرحم، واجتاز في الولادة مثلنا، وولد كإنسان من امرأة، دون أن يفقد ما كان عليه،
  • ولكن رغم أنه اتخذ لحمًا ودمًا فإنه ظل كما كان، الله في الطبيعة والحق،
  • كما إننا نعلن أيضًا أن الجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت، ولا طبيعة كلمة الله الفائقة الوصف، تغيرت إلى طبيعة الجسد.
  • فهو بصورة مطلقة غير قابل للتبدل أو للتغير. ويظل كما هو دائمًا حسب الكتب. حتى حينما كان منظورًا، وكان لا يزال طفلًا مقمطًا وفي حضن العذراء التي ولدته، فإنه كان يملأ كل الخليقة كإله، وكان حاكمها مع أبيه. لأن اللاهوت هو بلا قدر وبلا حجم، ولا يقبل أن يحد.

 

  • لسنا نقول ان كلمة الله حل فى ذلك المولود من العذراء كانسان عادى و لا كونه انسان يحمل الله او من باب الكرامة و السلطة
  • أن الكلمة اتحد بالجسد أقنوميًا، فإننا نعبد ابن ورب واحد يسوع المسيح، دون أن نفصل ولا نميز الإنسان عن الله، كما لو كان الواحد متصل بالآخر بالكرامة والسلطة
  • ولا نعطى لقب "مسيح" على التوازي لكلمة الله على حدة، ولمسيح ثاني، المولود من امرأة على حدة، بل نعترف بمسيح واحد فقط، كلمة الله الآب مع جسده الخاص.
  • هو قد مُسِحَ كإنسان بيننا رغم أنه يعطي الروح للذين يستحقون أن ينالوه، وليس بكيل، كما يقول البشير المغبوط يوحنا (انظر يو3: 34).
  • كما أننا لا نقول أن كلمة الله سكن في المولود من العذراء القديسة، كما في إنسان عادي، لئلا يفهم أن المسيح هو إنسان حامل لله.

 

  • فى المسيح يحل كل ملئ اللاهوت جسديا ليس كالحلول فى القديسين

لأنه رغم أن "الكلمة حل بيننا" (انظر يو1: 14) حقًا وقيل أن في المسيح "يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو2: 9)، فإننا لا نظن أنه إذ صار جسدًا أن يُقال عن حلوله أنه مثل الحلول في القديسين، ولا نعرِّف هذا الحلول فيه أنه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول في القديسين. ولكن الكلمة إذ اتحد بالجسد بحسب الطبيعة دون أن يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولًا مثلما يًقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص.

  • المسيح واحد و هو ابن و رب، ليس عن طريق اتصال او مجاورة او مشاركة اعتبارية
  • لذلك فهناك مسيح واحد، ابن ورب،
  • ليس بمعنى أنه إنسانًا حقق أو ملك مجرد اتصال مع الله، كإله، بواسطة اتحاد كرامة أو سلطة، لأن المساواة في الكرامة لا توحِّد الطبائع،
  • ان طريقة الاتصال ليست هي وفقًا للمجاورة لأن هذه لا تكفي لتحقيق الاتحاد الطبيعي،
  • ولا وفقًا لمشاركة اعتبارية مثلما نلتصق نحن بالرب كما هو مكتوب أننا روح واحد معه (1انظر كو6: 17)، لكننا نرفض تعبير "الاتصال" لأنه لا يُعتبر كافيًا للدلالة عن الاتحاد.

 

  • ان كلمة الله ليس هو اله او رب للمسيح
  • كما أننا لا نتكلم عن كلمة الله الآب كإله أو رب للمسيح، حتى نتحاشى أن نقطع المسيح الواحد إلى اثنين، الابن والرب، فلا نسقط في التجديف الأحمق بجعله إلهه وربه
  • فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنوميًا، فهو إله الكون ورب الجميع الذي يحكم الكل، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه (انظر يو 13: 12-16).
  • ومع ذلك نحن ندرك أنه مع كونه إلهًا فإنه قد صار إنسانًا أيضًا خاضعًا لله حسب قانون الطبيعة الإنسانية. لكن كيف يصير إلهًا أو سيدًا لنفسه؟ لذلك كإنسان، وفيما يختص بما هو لائق لشروط إخلائه لنفسه (انظر في 2: 7-8)، فهو نفسه يقول أنه خاضع لله مثلنا.
  • وهكذا هو أيضًا "ولد تحت الناموس" (غل4: 4)، رغم أنه كإله هو معلن الناموس وهو واضع الناموس.

 

  • لا ينبغى ان نقسم المسيح الواحد الى اثنين
  • نرفض أن نقول عن المسيح: "بسبب ذلك الذي ألبس أعبد اللابس، وبسبب غير المنظور أعبد المنظور". إنه أمر بشع أن يُقال أيضًا: "إن المتَخَذ، يُدعى الله مع الذي اتخذه" فالذي يقول ذلك، يقسم المسيح الواحد إلى اثنين، وبالتالي فإنه يجعل الناسوت واللاهوت مفترقين أيضًا.
  • كما انه بذلك ينكر الاتحاد الذي بمقتضاه لا يُسجد للواحد مع الآخر أو يُدعى الله، ولكن المقصود هو الواحد المسيح يسوع، الابن الوحيد الجنس، الذي يكرم بسجدة واحدة مع جسده الخاص.
  • نحن نعترف أنه هو الابن المولود من الله الآب، والإله المولود الوحيد، ورغم أنه غير قابل للألم بحسب طبيعته الخاصة، فقد تألم من أجلنا في جسده الخاص حسب الكتب، وفي جسده المصلوب وهو غير القابل للألم جعل آلام جسده آلامه هو.
  • لأنه بنعمة الله ولأجل الجميع ذاق الموت (انظر عب 2: 9)، بإخضاع جسده الخاص للموت رغم أنه بحسب الطبيعة هو الحياة وهو نفسه القيامة (انظر أع 4: 2).
  • وبواسطة قوته الفائقة بعد أن داس الموت في جسده الخاص يصير أولًا "البِكر من الأموات" (كو 1: 18) و"باكورة أولئك الذين رقدوا" (1كو 15: 20)، لكي يمهد السبيل إلى قيامة عدم الفساد أمام طبيعة الإنسان (انظر 1كو 15: 53)، وبنعمة الله، كما سبق أن قلنا، ذاق الموت لأجل الجميع، ولكنه قام حيًا في اليوم الثالث بعد أن سلب الجحيم.
  • والنتيجة أنه، حتى إن كان يمكن أن يُقال عن قيامة الأموات أنها صارت "بواسطة إنسان" (انظر يو11 :25)، فلا نزال نفسر هذه العبارة بأنها تعنى كلمة الله المتأنس الذي حل سلطان الموت. وهو سيأتي في الوقت المناسب كالابن الواحد والرب في مجد أبيه ليدين المسكونة بالعدل كما هو مكتوب (انظر مز 98: 9، أع 17: 31).
  • نعترف بموته و قيامته و صعوده عندما نقدم الذبيحة غير الدموية فى الكنائس

ولكن من الضروري أن نضيف هذا أيضًا. في إعلاننا بموت ابن الله الوحيد حسب الجسد (انظر 1كو 11: 26) أي موت يسوع المسيح، فإننا نعترف بقيامته من بين الأموات وصعوده إلى السموات، حينما نقدم الذبيحة غير الدموية في الكنائس

  • نتناول الجسد المقدس و الدم الكريم اللذان للمسيح مخلصنا كلنا
  • وهكذا نتقبل البركات الروحية ونتقدس بالتناول من الجسد المقدس والدم الكريم اللذان للمسيح مخلصنا كلنا.
  • ونحن نفعل هذا لا كأناس يتناولون جسدًا عاديًا، حاشا،
  • ولا جسد رجل متقدس بسبب اتصاله بالكلمة وفقًا لاتحاد في الكرامة،
  • ولا كواحد قد حصل على حلول إلهي، بل باعتباره الجسد الخاص للكلمة نفسه المعطى الحياة حقًا. ولأنه الله فهو الحياة بحسب طبيعته، ولأنه صار واحدًا مع جسده الخاص، أعلن أن جسده معطى الحياة.
  • أنه يقول: "الحق أقول لكم، إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه" (أنظر يو6: 53) لا يجب أن نستخلص من هذا أن جسده هو جسد واحد من الناس منا (لأنه كيف يكون جسد إنسان ما محييًا بحسب طبيعته الخاصة؟)، ولكنه بالحقيقة الجسد الخاص للابن الذي صار إنسانًا كما دعى ابن الإنسان لأجلنا.

 

  • لا تنسب اقوال مخلصنا فى الاناجيل الى اقنومين او شخصين منفصلين لان المسيح الواحد الوحيد لا يكون اثنان
  • ان أقوال مخلصنا في الأناجيل ينبغى الا نقسمها إلى أقنومين أو إلى شخصين، لأن المسيح الواحد الوحيد ليس فيه ثنائية رغم أننا نعتبره من عنصرين مختلفين اتحدا في وحدة غير منقسمة،
  • يجب أن تكون لنا نظرة صحيحة فنعتقد أن الأقوال التي تخصه كإنسان أو تلك التي تخصه كإله هي لمتكلم واحد. فحينما يقول عن نفسه بالألفاظ التي تناسبه كإله: "من رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9) و"أنا والآب واحد" (يو10: 30)، نفهم طبيعته الإلهية التي تفوق الوصف التي بحسبها هو واحد مع أبيه بسبب وحدة الجوهر، وهو أيضًا صورته ومثاله وشعاع مجده (انظر عب 1: 3). ومن ناحية أخرى، فإنه يقدِّر حدود الإنسانية فيقول لليهود: "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق" (يو8: 40)، لكن حدوده البشرية هذه لا تقلل من إدراكنا له بأنه الله الكلمة المساوي والمماثل للآب.
  • لأنه من الضروري أن نؤمن أنه بينما هو الله بالطبيعة، فقد صار جسدًا، أي صار إنسانًا محيًا بنفس عاقلة، فلماذا يخجل أي إنسان من أي أقوال تناسب الإنسان، تكون قد صدرت منه؟ لأنه لو كان قد تحاشى الكلمات التي تناسب الإنسان، فما الذي أجبره أن يصير إنسانًا مثلنا؟ فلأي سبب يتحاشى –ذاك الذي نزل لأجلنا إلى إخلاء نفسه الاختياري- الكلمات المناسبة للإخلاء؟ وبالتالي تنسب كل الأقوال التي في الأناجيل إلى شخص واحد، إلى أقنوم الكلمة الواحد المتجسد، لأنه بحسب الكتب هناك رب واحد يسوع المسيح (أنظر 1كو8: 6).

 

  • انه هو رسول و رئيس كهنتنا الاعظم

ولكن إن كان يدعى: "رسول ورئيس كهنة اعترافنا" (أنظر عب3: 1)

  • لأنه يقدم لله الآب اعتراف إيماننا الذي ننقله إليه وبواسطته لله الآب،
  • وأيضًا للروح القدس، كذبيحة لله الآب،
  • فإننا نؤكد ثانية أنه بحسب الطبيعة هو ابن الله الوحيد الجنس.
  • ولا ننسب لقب وحقيقة كهنوته إلى إنسان آخر غيره.
  • لأنه صار وسيط بين الله والإنسان (1تى2: 5)،
  • ووكيل مصالحة السلام، إذ قدم نفسه لله الآب رائحة طيبة (أف5: 2). لذلك قال: "ذبيحة وقربانًا لم ترد ولكن هيأت لي جسدًا، بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر، ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عنى، لأفعل مشيئتك يا الله" (عب10: 5-7 وأنظر مز40: 7-9).

 

  • قدم جسده رائحة طيبة لاجلنا

 لأنه قد قدم جسده الخاص رائحة طيبة لأجلنا وليس لأجل نفسه. لأن ما هي حاجته وهو الله  السامي تمامًا عن الخطية، لتقديم تقدمة أو ذبيحة لأجل نفسه؟ لأنه "إن كان الجميع قد أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (أنظر رو3: 23) بمعنى إننا معرضون للانحراف، وطبيعة الإنسان تضعف تمامًا بالخطية. لكن إن لم يكن هذا هو حاله وبالتالي نحن أدنى من مجده، فكيف إذن يبقى هناك شك في أن الحمل الحقيقي قد ذبح من أجلنا وعوضًا عنا؟ إن القول بأنه قد قدم نفسه من أجل نفسه ومن أجلنا لا يمكن بأي حال أن يفلت من تهمة الكفر. إنه لم يخطئ بأي شكل، ولا فعل أي خطية. إذن، منطقيًا، أية ذبائح يحتاجها، إن لم تكن هناك أية خطية تقدم من أجلها ذبيحة.

  • أن روحه ليس أسمى منه ولا فوقه
  • ولكن حينما يقول عن الروح: "ذاك يمجدني" (يو16: 14) فنحن، بصواب نفهم، أنه لا يعنى أن المسيح والابن الواحد، كان ينقصه المجد من آخر، فاكتسبه من الروح القدس، وذلك لأن روحه ليس أسمى منه ولا فوقه.
  • ولكنه يقول أنه يمجده لأنه استخدم روحه القدوس للقيام بالأعمال العظيمة ليظهر لاهوته الشخصي
  • لأنه رغم أن الروح يوجد في أقنوم متمايز، ويعرف بالتحديد إنه هو الروح وليس الابن، إلا أنه مع ذلك ليس غريبًا عن الابن، لأنه يدعى روح الحق والمسيح هو الحق، والروح يرسل منه (انظر يو 16: 13)، كما أنه يرسل بلا شك من الله الآب أيضًا.
  • لذلك فإن الروح صنع عجائب بأيدي الرسل القديسين بعد صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء، وبذلك مجده.
  • لأنه بواسطة عمله الشخصي من خلال روحه الخاص نؤمن أنه هو الله بحسب الطبيعة. ولهذا السبب قال أيضًا: "لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14).
  • ونحن لا نؤكد ولا للحظة أن الروح حكيم وقوى نتيجة المشاركة، لأنه كلى الكمال ولا ينقصه أي صلاح. ولكن حيث أنه روح قوة الآب وحكمته أي روح الابن، فهو بكل الحق الحكمة والقوة المطلقة.

 

  • أن العذراء القديسة ولدت جسديًا، الله متحدًا بالجسد حسب الأقنوم، فنحن نعلن أنها والدة الإله
  • أن العذراء القديسة ولدت جسديًا، الله متحدًا بالجسد حسب الأقنوم، لذلك فنحن نعلن أنها والدة الإله، ليس أن طبيعة الكلمة تأخذ بداية وجودها من الجسد لأنه "(أي الكلمة) كان في البدء، والكلمة كان الله، وكان الكلمة عند الله" (يو1: 1)، وهو بشخصه خالق الدهور، وهو أزلي مع الآب، وخالق كل الأشياء. لكن،
  • إنه إذ وحَّد الإنساني بنفسه أقنوميًا، وجاز الولادة الجسدية من بطنها، فلم تكن هناك ضرورة لميلاد زمني وفي آخر الدهور، لطبيعته الخاصة.
  • لقد ولد لكي يبارك أصل وجودنا نفسه، ولكي بولادته من امرأة حينما يتحد بالجسد ترفع عن كل الجنس (البشرى) اللعنة التي ترسل أجسادنا من الأرض إلى الموت، وبواسطته أبطل القول: "بالوجع تلدين أولادًا" (تك3 : 16) لكي يظهر صدق قول النبي: "الموت إذ قوى قد ابتلعهم" (من الترجمة السبعينية هو13: 14)، وأيضًا: "يمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه" (أش25: 8).

 و بناء على هذه التعاليم فقد وضع القديس كيرلس الحروم الاثني عشر والتى أقرها مجمع الأسكندرية (430م)

 

ثالثا : الحروم الاثني عشر (الـ12 حرمًا) Anathemas:

  • من لا يعترف أن عمانوئيل هو الله بالحقيقة، وبالتالي لا يعترف أن العذراء القديسة هي والدة الإله لأنها ولدت جسديًا كلمة الله المتجسد، فليكن محرومًا.
  • ومن لا يعترف أن كلمة الله الآب قد وحَّد نفسه أقنوميًا بالجسد، وهو مع جسده الخاص مسيح واحد، وأنه هو نفسه في نفس الوقت إله وإنسان معًا، فليكن محرومًا.
  • من يقسم بعد الاتحاد المسيح الواحد إلى أقنومين، ويربط بينهما فقط بنوع من الاتصال في الكرامة، والسلطة والقوة، والمظهر الخارجي، وليس بالحري بتوحيدهما في اتحاد طبيعي، فليكن محرومًا.
  • من ينسب الأقوال التي في البشائر والكتابات الرسولية، أو التي قالها القديسون عن المسيح أو التي قالها هو عن نفسه إلى شخصين أو أقنومين، ناسبًا بعضها للإنسان على حده منفصلًا عن كلمة الله، وناسبًا الأقوال الأخرى، لكونها ملائمة لله، فقط إلى كلمة الله الآب وحده، فليكن محرومًا.
  • من يتجاسر ويقول أن المسيح هو إنسان ملهم من الله وليس بالحري هو الله الحقيقي، لأنه الابن الواحد بالطبيعة، لأن الكلمة صار جسدًا (يو1: 14) واشترك مثلنا في اللحم والدم (عب 2: 14)، فليكن محرومًا.
  • من يتجاسر ويقول أن كلمة الله الآب هو إله وسيد للمسيح، ولم يعترف بالحري أن المسيح نفسه في نفس الوقت هو إله وإنسان معًا بحسب الكتب أن الكلمة صار جسدًا ، فليكن محرومًا.
  • من يقول أن الإنسان يسوع هو تحت سيطرة الله الكلمة وأن مجد ابن الله الوحيد يتصل بكينونة مختلفة عن الابن الوحيد، فليكن محرومًا .
  • من يتجاسر ويقول أن الإنسان الذي اتخذه الكلمة ينبغي أن يسجد له مع الله الكلمة، ويمجد معه ويعترف به كإله مع الله الكلمة، كما لو كان الواحد منفصلًا عن الآخر (لأن لفظة “مع” التي تضاف دائمًا تفرض أن يكون هذا هو المعنى)، ولا يكرم عمانوئيل بالحري بسجدة واحدة، ولا يرسل له ترنيمة تمجيد واحدة، لكون الكلمة صار جسدًا، فليكن محرومًا.
  • إن قال أحد أن الرب الواحد يسوع المسيح قد تمجد من الروح، وأن المسيح كان يستخدم القوة التي من الروح كما لو كانت خاصة بقوة غريبة عنه ويقول أن الرب قبل من الروح القدرة على العمل ضد الأرواح النجسة ويتمم العجائب بين الناس، ولا يقول بالحري أن الروح الذي به عمل المعجزات خاص بالمسيح، فليكن محرومًا.
  • يقول الكتاب المقدس أن المسيح هو رئيس كهنتنا ورسول اعترافنا (عب 3 : 1، أف 5: 2)، وأنه قدم نفسه من أجلنا رائحة طيبة لله الآب. لذلك إن قال أحد أنه لم يكن كلمة الله نفسه هو الذي صار رئيس كهنتنا ورسولنا حينما صار جسدًا وإنسانًا مثلنا، لكن آخر منفصل عنه مولود من امرأة؛ أو يقول أنه قدم نفسه ذبيحة لأجل نفسه أيضًا وليس بالحري لأجلنا فقط (لأن من لم يعرف خطية لا يحتاج إلى ذبيحة)، فليكن محرومًا.
  • من لا يعترف أن جسد الرب هو معطى الحياة، وهو يخص كلمة الآب نفسه، بل يقول أنه جسد لواحد آخر خارجًا عنه، وأنه مرتبط به فقط في الكرامة، أو حصل فقط على حلول إلهي، ولا يعترف بالحري أن جسده معطى الحياة، ولأنه كما قلنا يخص اللوغوس وله قدرة أن يجعل كل الأشياء تحيا، فليكن محرومًا.
  • من لا يعترف أن كلمة الله تألم في الجسد (بحسب الجسد)، وصلب في الجسد، وذاق الموت في الجسد، وصار البكر من الأموات (كو 1 : 18)، حيث أنه الحياة ، ومعطى الحياة كإله، فليكن محرومًا.

 

الخلاصة :

الأساس الخريستولوجي هو دعامة لكل شروحات القديس كيرلس الكبير، وأيضًا صياغاته للعقيدة، فالمسيح ظل بعد التجسد هو الواحد -الله- اللوغوس. وبالتجسد اتحدت الطبيعة الإلهية بالإنسانية بغير اختلاط أو تغيير، وهذه الوحدة بين الطبيعتين في شخص المسيح ليست مجرد اعتراف نظري، بل هي حدث واقعي في تاريخ التدبير الإلهي وأساس التفسير الصحيح للكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة. لذلك ففي رأى القديس كيرلس، لكي نفهم ما قاله المسيح وأيضًا ندرك أفعاله المدونة في الأناجيل، لابد أن نراها في إطار الاتحاد الكامل بين الطبيعتين الإلهية والإنسانية في شخص المسيح، فاللوغوس المتجسد لم يكن ببساطة إنسان "حامل الله"  مثلما اعتقد نسطور، ولكن العكس، فكل ما قاله وما فعله المسيح صادر من شخص الله اللوغوس ويتعلق بإقرار الإيمان الصحيح عن الإتحاد الذي تم بين الطبيعتين والذي نتج عنه ما يسمى "بتبادل الخواص" فالطبيعة الإنسانية قبلت المجد الإلهي وذلك بإتحادها بالطبيعة الإلهية "بحسب التدبير" ولهذا تأله الجسد.

فالإخلاء أى "أخلى ذاته" هو الذي جعل اللوغوس داخل المعايير البشرية

ولكي نفهم أقوال وأعمال المسيح الإنسانية كما دونت في الأناجيل، هناك حاجة أن نحافظ على الوحدة الغير منفصلة والغير مختلطة بين الطبيعتين في شخص المسيح، فلا يجب أن ننسب الأقوال والأعمال الإنسانية للمسيح للاهوت فقط ولا للناسوت فقط بل لشخص المسيح الواحد، ويطبق هذا على المعجزات، التي هي أعمال إلهية، ولكنها تمت بواسطة الجسد (الناسوت)

إذن لا نستطيع أن نفصل أي عمل ونخصه لطبيعة دون الأخرى، ولكن في نفس الوقت نعرف ونميز متى تنسب الأقوال للاهوت ومتى تنسب للناسوت، دون أي انفصال بينهما. فمثلًا عندما يقول المسيح: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8:14) أو (يو 3:10) "أنا والآب واحد" واضح أن هذه الكلمات منسوبة للاهوت. وأما قوله مثلا في (يو 40:8) "ولكنكم تسعون إلى قتلى وأنا إنسان كلمتكم بالحق الذي سمعته من الله.." هنا الكلام منسوب إلى إنسانيته الكاملة (تفسير لوقا P.G. 72, 672C).

اللوغوس (كلمة الله) لو لم يصر إنسانًا كاملًا لما استطاع أن يتكلم بشريًا. وبناء على ذلك من ينكر هذه الأقوال والأفعال الإنسانية للمسيح ينكر تدبير التجسد .

فهذه الأقوال تعلن التأنس فلو لم يتكلم المسيح كإنسان كامل، لما آمن أحد بإخلاء الله - اللوغوس  وقد رفض كيرلس قول نسطور بأن أعمال الجسد التي للمسيح تنقص من شأن المجد الإلهي، فإن كيرلس يرى أن بواسطتها نستطيع أن نعرف الجوهر الإلهي العظيم والسامي، وهكذا فسمو اللاهوت نعرفه من التواضع والإخلاء الإلهي

أن هذا الاتحاد الأقنومي بين الطبيعتين، في رأى القديس كيرلس، كان هو الوسيلة الوحيدة لخلاص البشرية، وعلينا أن لا نقف عند الحرف مثلما فعل نسطور لكي يبرهن على سمو وتفوق الطبيعة الإلهية عن الطبيعة الإنسانية للمسيح، وانتهى إلى أن المسيح كان رجل حامل للإله فقط، وأنكر التجسد الحقيقي للوغوس وبذلك فإن كل ما قام به المسيح إنسانيًا أي بالتجسد ليس له بعد خلاصي حقيقي لدى نسطور.

 

يشدد القديس كيرلس على أن الأقوال التي ينسبها البعض إلى طبيعة المسيح الإلهية أو إلى الطبيعة الإنسانية، يجب أن تنسب لشخص المسيح الواحد، فالاختلاف بينهما هو اختلاف تدبيري ولا يتعلق بأي فصل بين الطبيعتين. والتمييز لا يمنع أن ننسب أعمال الجسد للطبيعة الإلهية أو أعمال اللاهوت للطبيعة الإنسانية .

 

 

المـــــــــــــــراجع

(1)  تاريخ الكنيسة القبطية - القس منسى يوحنا

(2) الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة - للأسقف الأنبا إيسيذورس ج1 ص 483

(3) تاريخ الكنيسة القبطية – إصدار كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل وما رمينا بستاتين إيلاند بنيويورك

(4)  أيريس حبيب المصرى - قصة الكنيسة القبطية - طبعة 1998 - مكتبة كنيسة مار جرجس بأسبورتنج - أسكندرية -

(5)  تاريخ الاباء البطاركة للأنبا يوساب أسقف فوه من آباء القرن 12 أعده للنشر للباحثين والمهتمين بالدراسات القبطية الراهب القس صموئيل السريانى والأستاذ نبيه كامل

(6) السجالات الكريستولوجية فى القرنين الرابع والخامس بقلم العلامة اللاهوتى الأنبا بيشوى أسقف كفر الشيخ والبرارى ودير القديسة الشهيدة دميانة ورئيس المجمع المقدس

(7) سلسلة شرح كتابات الاباء ،رسائل القديس كيرلس الكبير الجزء الثانى – القس اباكير عبد المسيح فرج

( 8 ) كتاب مدخل في علم الآبائيات: الباترولوجي - القمص أثناسيوس فهمي جورج

 

الى هنا اعاننى الله

اذكرونى فى صلواتكم

اغنسطس اكليريكى / مينا ثروت قلادة